الجزائر وموريتانيا.. نحو تحقيق تكامل اقتصادي

الجزائر وموريتانيا.. نحو تحقيق تكامل اقتصادي
(اخر تعديل 2024-02-23 09:56:04 )

تشهد العلاقات بين الجزائر وموريتانيا زخما كبيرا، على المستوى الرسمي خلال السنوات الأخيرة، ترجمت في تعميق التنسيق والتعاون بشكل وثيق خاصة في الجانب الاقتصادي والتنموي للاستفادة من الفرص المتاحة في البلدين الشقيقين.

وتعزز مسار الشراكة بين الجزائر وموريتانيا بمشاريع استراتيجية جديدة أشرف على إطلاقها مساء أمس الخميس، بولاية تندوف الحدودية، رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، رفقة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

وأشرف الرئيسان على تدشين المعبرين الحدوديين الثابتين الجزائر- موريتانيا، بعد استماعهم لعرض مفصل حول نشاط هذين المعبرين، والحركية الاقتصادية التي يقدمانها للبلدين، والتي من شأنها رفع وتيرة التنمية بالمناطق الحدودية.

وبعدها، أعطى رئيس الجمهورية رفقة نظيره الموريتاني، إشارة انطلاق مشروع إنجاز طريق تندوف-زويرات الممتد على 840 كيلومتر، وهذا يعكس مرحلة جديدة في العلاقات التاريخية بين البلدين، وكذا وضع حجر الأساس لمشروع إنجاز المنطقة الحرة للتبادل التجاري والصناعي بين البلدين، والتي ستشكل همزة وصل بين الجزائر وبلدان غرب إفريقيا.

مشاريع استراتيجية

أكد رئيس الجمهورية أن المبادلات وتدفق السلع والبضائع بين البلدين مرحب بها دون ضريبة، داعيا المتعاملين الاقتصاديين الموريتانيين إلى الاستثمار في منطقة التبادل الحر والاستفادة من الإعفاء الضريبي والجمركي، تعزيزا للتعاون والتبادل الثنائي وتسهيل دخول السلع والبضائع، لافتا إلى أن طريق تندوف-زويرات “سيمكن من دخول السلع الموريتانية والجزائرية بطريقة سهلة بين البلدين”.

ومن جهته، أكد الرئيس الموريتاني أن منطقة التبادل الحر ”ستكون منطقة تلاقي وجسر تبادل”، كما أثنى بذات المناسبة على جهود الجزائر في تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين.

وفي وقت سابق، خلال ترؤسه لاجتماع عمل خُصّص لمناطق التّجارة الحرّة، شدد رئيس الجمهورية على ضرورة التركيز على مناطق التّجارة الحرّة المتعلّقة في تندوف مع موريتانيا، بحضور كل من وزراء، الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، التجارة و ترقية الصادرات والصناعة والإنتاج الصيدلاني.

وبإنشاء منطقة حرة التبادل التجاري بين الجزائر وموريتانيا في تندوف، بدأت التجسيد الفعلي لهذا النوع من الشاريع مع دول الجوار، حيث أعلن الرئيس تبون في وقت سابق، خلال اجتماع الوكالة الإنمائية للاتحاد الأفريقي “نيباد”، عزم الجزائر خلال 2024 تدشين مناطق تبادل حرة مع خمس دول أفريقية، لتعزيز التجارة البينية، هي موريتانيا ومالي والنيجر، بالإضافة إلى تونس وليبيا.

إحداث التنمية وخلق الثروة بالمناطق الحدودية

تعكف الجزائر مؤخرا على تجسيد مقاربة مشتركة مع دول الجوار، وفي مقدمتها موريتانيا، لتشجيع الأنشطة الاقتصادية وإحداث التنمية في المناطق الحدودية، وبعث ديناميكية تتيح الاستفادة من الإمكانيات التي تزخر بها تلك الأقاليم، وخلق الثروة، وتكثيف حركة تنقل الأفراد، بما يعزز عوامل الأمن والاستقرار المستدام.

ومن شأن منطقة التبادل الحر، والمعبر التجاري البري بين الجزائر وموريتانيا، والطريق الصحراوي أن تسهم في زيادة حجم التبادل التجاري الجزائري مع المنطقة الأفريقية الذي يبلغ حاليا ثلاثة بالمائة من إجمالي المبادلات الجزائرية.

وفي ذات الصدد أوضح الخبير الاقتصادي مراد كواشي، في مداخلته عبر منصة “أوراس”، أن العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموريتانيا تشهد مرحلة ذهبية، نتيجة حدوث انسجام توافق سياسي كبيرين بين قيادتي البلدين، وانتهاج الجزائر لاستراتيجية جديدة تقوم على تقوية اقتصاد المعابر بتقوية الشراكات مع دول الجوار وانشاء مناطق للتبادل التجاري الحر.

وأكد كواشي على وجود آفاق اقتصادية واعدة في الشراكات التجارية والاستثمارية بين البلدين، بالنظر لسعي الجزائر إلى تنويع مصادر دخلها، وباعتبار موريتانيا بوابة تسمح بالولوج إلى عمق القارة وأسواق غرب القارة بشكل خاص، وأنها منفذ لبلوغ المحيط الأطلسي، وكل هذه المشاريع تقود لزيادة التبادلات وتعميق الحركة التجارية البينية مع دول الساحل الإفريقي.

ويردف الخبير الاقتصادي مراد كواشي، أن الجزائر أمام حتمية تطوير وزيادة نشاطها الاقتصادي في إفريقيا، الذي يبقى محتشما، حيث لا يتجاوز واحد مليار دولار، وتحتل الجزائر المرتبة الـ20 من إجمالي الدول الموردة للقارة، وتمثل صادراتها أقل من واحد في المائة من إجمالي واردات القارة الأفريقية.

تقارب تاريخي بين نواكشط والجزائر

في تعقيبه على موضوع العلاقات الجزائرية- الموريتانية أوضح الأستاذ الجامعي والباحث في القضايا الإقليمية، حبيب الله خضر بن مايابى، أن التبادل التجاري بين البلدين ليس بالجديد، وإنما الجديد في الأمر هو السعي لتنشيطه وإحيائه، وذلك من خلال السياسات التي يتبناها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ونظيره الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني.

واستذكر الأستاذ والباحث بن مايابي، تاريخ العلاقات الموريتانية الجزائرية في ستينات وسبعينات القرن الماضي، لتأكيد التقارب السياسي والتكامل الاقتصادي بين البلدين، مشيرا لمساهمة الجزائر في تأميم شركة المعاد الموريتانية وإنشاء شركة للنفط في نواكشوط، وكذا اعتماد الأوقية الموريتانية الوطنية بدل الفرنك الغرب إفريقي.

ويعزو بن مايابي، انشاء منطقة التبادل التجاري بين البلدين، للعمل المتواصل ولأعوام من التقارب بين الدولتين، خاصة أن العلاقات الجزائرية الموريتانية شهدت نشاطا وتحسنا ملحوظا في عهد الرئيسين الحاليين، تجلى ذلك في ارتفاع مؤشر التبادل التجاري بشكل ملفت للانتباه.

وفي ذات الشأن أشار ذات المتحدث، إلى دعم الجزائر ترشيح موريتانيا لرئاسة الاتحاد الافريقي، والزيارات المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين، وانعقاد اللجنة الثنائية العليا المشتركة بشكل مستمر، وتقارب االمواقف إزاء القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، وكلها عوامل شكلت مجتمعة تقاربا سياسيا وتكاملا اقتصاديا بين البلدين.

من جهتها، وفي تصريح خاص لـ “أوراس”، أشادت النائب في البرلمان الموريتاني، منى سيد أحمد الدي السبتي، بزخم العلاقات الموريتانية- الجزائرية، مؤكدة أنها تتناسب والروابط التاريخية والجغرافية وأواصر الأخوة وحسن الجوار بين البلدين الشقيقين، وكذا مواقف و تطلعات الشعبين الجزائري والموريتاني.

وبخصوص المشاريع المشتركة بين البلدين، قالت منى سيد أحمد، أنها ستفتح مجالا للتفاعل الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لكلا المجتمعين، وأنها ستفسح الطريق للتمدد في بلدان الجوار، باعتبار موريتانيا همزة وصل بين العالم العربي ودول غرب إفريقيا.

خلق توازن اقتصادي وإقليمي

يرى الخبير الاقتصادي الجزائري ساعد سلامي، في مداخلة له عبر منصة “أوراس” أن لقاء العمل الذي جمع الرئيسين تبون والغزواني، جاء لبعث الشراكة، وسلك السرعة القصوى لتوطين المشاريع، وتفعيل الشراكات وتعزيز العلاقات الثنائية بما يخدم مصالح البلدين.

وينوه سلامي، أنه بعدما أن كانت العلاقات تتسم ببعض البرودة تحولت إلى مرونة وحيوية، انعكست بشكل مباشر على الأداء العام لمختلف القطاعات الوزارية والمؤسسات المسؤولة عن تطوير الأنشطة الاستثمارية المدرة للثروة، وحدوث هذا كان نتيجة لتوافق الرؤى السياسية والأفكار التي تصب في مصلحة التعاون المشترك وتطوير العلاقات على مستويات عدة.

ويضيف سلامي، أن الجزائر وعلى رأسها عبد المجيد تبون، تنفذ خطة لإحداث تحول اقتصادي كبير نحو إفريقيا، عبر بوابة موريتانيا، بداية بفتح خط بحري وزيادة عدد السفن المتوجهة لنواقشط، وانشاء شريان بري في محوره الرئيسي تندوف- الزويرات، عبر المعابر الحدودية المشتركة، كبداية للتمدد في إفريقيا وتبوأ مكانة ريادية في المشهد الاقتصادي القاري.