رحيل المحامي جيل ديفير وتأثيره على القضايا العادلة
توفي المحامي الفرنسي الشهير جيل ديفير، الذي عُرف بمناصرته القوية لقضايا حقوق الإنسان، أمس الثلاثاء في مدينة ليون الفرنسية. لقد كان ديفير رمزًا للعدالة، حيث تخصص في قضايا جرائم الإبادة وفقًا للقانون الدولي، وترك بصمة لا تُمحى في الساحة القانونية.
جاء رحيل ديفير عن عمر يناهز 68 عامًا بعد صراع طويل مع المرض، لكنه لم يتخلَّ يومًا عن قضيته. فقد كان أحد أبرز المدافعين عن حقوق الشعبين الصحراوي والفلسطيني، حيث وقف في وجه الظلم أمام المحاكم الأوروبية والدولية.
وفي بيان صادر عن اللجنة الوطنية الجزائرية للتضامن مع الشعب الصحراوي، تم التأكيد على أن ديفير، رغم معاناته الصحية على مدار السنوات الأربع الماضية، استمر في النضال والترافع عن القضايا التي آمن بها حتى آخر لحظة في حياته.
البراعم الحمراء مترجم الحلقة 29
معركة ديفير القانونية
لقد كانت جهود جيل ديفير محورية في تشكيل جيش قانوني يتكون من أكثر من 500 محامٍ من مختلف أنحاء العالم، حيث توجه هؤلاء إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي في نوفمبر الماضي. وقد قدموا دعوى تتألف من 56 صفحة تطالب بفتح تحقيق في الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ السابع من أكتوبر.
بالإضافة إلى ذلك، كان ديفير وراء إصدار مذكرات الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بتهم تتعلق بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. وقد اعتبر ديفير يوم إصدار هذه المذكرات بمثابة “عيد” له، حيث قال لابنه: “الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح”.
من يكون جيل ديفير؟
وُلد جيل ديفير في عام 1956 وكان محاميًا في نقابة المحامين في مدينة ليون الفرنسية. بجانب عمله كمحامي، كان أيضًا ممرضًا سابقًا ومحاضرًا في كلية الحقوق بجامعة “ليون 3”.
على مدار ثلاثين عامًا، قسّم ديفير نشاطه بين القطاع الصحي والاجتماعي ودفاعه عن حقوق الأقليات في فرنسا والعالم، وكان دائمًا القضية الفلسطينية في صدارة اهتماماته. في عام 2009، كان ديفير أول من قدم شكوى ضد إسرائيل في محكمة الجنايات الدولية بشأن الجرائم المرتكبة في حرب غزة عام 2008-2009.
إنجازات قانونية بارزة
حقق ديفير العديد من الإنجازات القانونية التي ساهمت في تعزيز القضايا الصحراوية والفلسطينية على الساحة الدولية. ومن أبرز هذه الإنجازات، قرار محكمة العدل الأوروبية في عام 2015 الذي ألغي الاتفاقيات بين المغرب والاتحاد الأوروبي بسبب شموليتها غير الشرعية للصحراء الغربية.
- في 2016، أصدرت محكمة العدل الأوروبية قرارًا تاريخيًا يؤكد أن الصحراء الغربية والمملكة المغربية إقليمان منفصلان، وأن الشعب الصحراوي له الحق في تقرير المصير.
- في 2018، أكدت المحكمة الوضع المنفصل للمياه الإقليمية للصحراء الغربية عن مياه المغرب.
- في 2019، أكدت المحكمة على سيادة الشعب الصحراوي على المجال الجوي للصحراء الغربية.
- في 2021، ألغت المحكمة الاتفاقيات الموقعة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب في 2019.
كما يُعتبر إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت علامة فارقة في المعركة القانونية ضد الممارسات الإسرائيلية، وهو إنجاز يعتبره الكثيرون خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة.
رحيله خسارة كبرى للقضية الفلسطينية والصحراوية
أكد أبي بشراي، ممثل جبهة البوليساريو في سويسرا والمنظمات الدولية، أن القضية الصحراوية فقدت برحيل جيل ديفير واحدًا من أبرز أصدقائها. وأضاف أن المحامي الراحل كان يمثل أملًا كبيرًا في معركة الشعب الصحراوي ضد التواطؤ الأوروبي مع الاحتلال المغربي.
كان ديفير مطمئنًا في أيامه الأخيرة بما حققه من مكاسب لصالح القضايا الصحراوية والفلسطينية، خاصة من خلال قرارات محكمة العدل الأوروبية ومذكرات التوقيف ضد المسؤولين الإسرائيليين. وقد ترك رحيله مسؤولية كبيرة للآخرين لمواصلة العمل على فرض تطبيق قرارات محكمة العدل الأوروبية.
حماس تنعي في وفاته
نعى الدكتور باسم نعيم، عضو المكتب السياسي لحركة حماس في غزة، المحامي الفرنسي جيل ديفير. وأعرب عن حزنه العميق لرحيل ديفير، مشيرًا إلى أنه كان نصيرًا حقيقيًا للشعوب المظلومة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
قال نعيم: “تلقينا بحزن شديد نبأ وفاة المحامي الفرنسي جيل ديفير بعد معاناة طويلة مع المرض”. وأكد أن مواقف ديفير الشجاعة ستظل خالدة في ذاكرة الشعب الفلسطيني، داعيًا الجميع للتمسك بإرثه والعمل لتحقيق حلمه برؤية الشعب الفلسطيني يتمتع بحريته ودولته المستقلة.