التوترات بين الجزائر ودول الساحل وتأثيرها

تتأزم العلاقات بين الجزائر ودول الساحل الإفريقي، وبالأخص مالي والنيجر وبوركينافاسو، بعد حادثة إسقاط الجيش الجزائري لطائرة مسيّرة مسلحة. وقد أكدت وزارة الدفاع الجزائرية أن الطائرة اخترقت المجال الجوي لمسافة كيلومترين بالقرب من منطقة تيزاوتين الحدودية في الأول من أبريل 2025.
بعد هذا الحادث، أصدرت حكومة مالي بيانًا رسميًا اتهمت فيه الجزائر بشكل مباشر، مما أدى إلى ردود فعل متسارعة من رؤساء دول اتحاد الساحل الثلاثة الذين اتخذوا قرارًا باستدعاء سفرائهم من الجزائر. ومن جانبها، عبرت الجزائر عن “امتعاضها” من هذا الموقف، مشيرة إلى أنه كان مفاجئًا وغير مبرر، وأكدت على التزامها بسلامة حدودها الوطنية.
مشروع استراتيجي في مهب التوترات الإقليمية
مع تصاعد هذا التصعيد الدبلوماسي، تزايدت الأسئلة حول مصير مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء، الذي يربط بين نيجيريا والجزائر مرورًا بالنيجر. يُعتبر هذا المشروع واحدًا من أبرز المشاريع الطاقوية في القارة الإفريقية.
يمتد الأنبوب لمسافة تتجاوز 4100 كيلومتر، منها 841 كيلومترًا داخل الأراضي النيجرية، ويهدف إلى نقل كميات تصل إلى 20-30 مليار متر مكعب من الغاز النيجيري نحو أوروبا عبر الجزائر.
خبراء يحذرون من تأثر الجدول الزمني للمشروع
يعتبر ياسين عبيدات، رئيس المركز الجزائري للدراسات الاقتصادية، أن التوتر الحالي بين الجزائر ودول الساحل قد يؤثر سلبًا على الجدول الزمني لإطلاق المشروع. ويشير إلى إمكانية تراجع التنسيق الأمني والإداري بين الأطراف المعنية، مما قد يضعف الإرادة السياسية.
وأضاف عبيدات أن هذا المشروع يمثل فرصة اقتصادية كبيرة للنيجر من حيث عائدات العبور وتطوير البنية التحتية، مما يجعل أي تهديد له بمثابة تهديد مباشر لاستراتيجيات التنمية في هذه الدول.
حبيبتي من تكون 3 الحلقة 5
أبعاد جيوسياسية معقدة
أشار عبيدات إلى أن تعقيدات الأزمة لا تقتصر على الأطراف المباشرة، بل تشمل أيضًا تأثيرات جيوسياسية أوسع، ومنها الدور الروسي في المنطقة بعد انسحاب فرنسا. ورغم عدم إعلان روسيا رسميًا معارضتها للمشروع، إلا أنها قد تسعى لإبطاء تنفيذه أو خلق حالة من عدم الاستقرار لحماية مصالحها في سوق الطاقة الأوروبية.
آفاق التعاون وتجاوز الخلافات
في السياق نفسه، يعتقد الخبير الاقتصادي عبد الرحمان هادف أن المشروع لن يتأثر بشكل استراتيجي على المدى الطويل، نظرًا لتشابك المصالح بين الدول الثلاث المعنية. وأكد هادف أن النيجر لن تخاطر بعلاقتها مع الجزائر، خاصة في ظل التعاون الثنائي المتقدم في مجال الطاقة.
كما أشار إلى أن الموقع الجغرافي للنيجر لا يمنحها بدائل كثيرة، مما يعزز فرص التهدئة والتعاون بدلاً من التصعيد. وحذّر من محاولات أطراف خارجية مثل المغرب للتشويش على المشروع، في ظل سعي الرباط لإنجاح مشروعها البديل لأنبوب الغاز نيجيريا-المغرب.
دعوة إلى تحرك ديبلوماسي واقتصادي فعال
في ضوء هذه المعطيات، يشدد الخبراء على ضرورة أن تتبنى الجزائر استراتيجية ديبلوماسية نشطة، تضع مشروع الأنبوب في صلب أولويات التعاون الإفريقي-الأوروبي. كما يجب العمل على كسب دعم سياسي من نيجيريا والنيجر، وفتح قنوات للتشاور مع القوى الدولية المؤثرة لضمان استقرار المشروع على المدى الطويل.
يظل مشروع الأنبوب العابر للصحراء من أبرز المشاريع القارية ذات البعد الاستراتيجي، ليس فقط من الناحية الطاقوية، بل كجسر اقتصادي وتنموي بين دول غرب إفريقيا والمنطقة المغاربية، مما يستدعي الحفاظ عليه بعيدًا عن التجاذبات السياسية والاضطرابات الإقليمية.