-

مشاورات سياسية.. هل عاد الدفء لمحور الجزائر-

مشاورات سياسية.. هل عاد الدفء لمحور الجزائر-
(اخر تعديل 2024-09-09 15:34:55 )

تضمنت المشاورات السياسية الجزائرية-الفرنسية في دورتها الحادية عشر، بمقر وزارة الخارجية في الجزائر العاصمة، تقييما شامل لواقع العلاقات بين البلدين على الصعيد السياسي والتعاون الثنائي في كافة المجالات.

وتطرقت المشاورات السياسية الجزائرية-الفرنسية، للمسائل الدولية والاقليمية ذات الاهتمام المشترك، حيث كانت محل نقاش بين المسؤولين الساميين للبلدين، خاصة الوضع في منطقة الساحل وفي مالي والشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص الوضع في فلسطين والأزمة الانسانية بغزة وكذا مسألة الصحراء الغربية، حسب ذات بيان وزارة الخارجية الجزائرية.

مشاورات سياسية.. هدوء ما بعد العاصفة

عرفت العلاقات الجزائرية الفرنسية، ركودا منذ أشهر عدة، بعد أن شهدت توترات كبيرة في صائفة العام الماضي، على إثر تفجر قضية هروب الناشطة أميرة بوراوي إلى تونس ثم فرنسا، وسط اشتباه في دور فرنسي في العملية، وانتهت بتوقف الجزائر عن استقبال رعاياها الصادرة في حقهم أوامر بالطرد من التراب الفرنسي.

كما ساهم التناول الإعلامي الفرنسي لمشاكل داخلية جزائرية، ومنها قضية الحرائق التي شهدتها ولاية بجاية، في مزيد من التوترات، ثم جاءت حادثة اغتيال الشاب نايل في شهر جوان على يد شرطي متطرف لتعقد وضع هذه العلاقات.

وترجمت أنذات الجزائر إمتعاضها من الطرف الفرنسي، بإصدار وزارة الخارجية، بيانا شديد اللهجة، معبرة فيه عن صدمتها واستيائها لقتل الشاب نائل بشكل وحشي ومأساوي، لتتواصل مرحلة تبادل التصريحات والتراشق الإعلامي من الجانبين لأشهر متتالية.

ومع مع دخول العام الجديد، عاد الهدوء النسبي إلى العلاقات الرسمية الجزائرية الفرنسية، بعد مرحلة من الانفعالات والتوترات، فيما لم يؤثر توتر العلاقات السياسية والدبلوماسية في حجم التبادل الاقتصادي والتجاري بين البلدين.

مشاورات سياسية تمهّد لعودة العلاقات الطبيعية

وحول الموضوع، وفي تدخله عبر منصة “أوراس” أشار الخبير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية حكيم بوغرارة، إلى العودة التدريجية لمتانة العلاقات الجزائرية- الفرنسية، في ظل بروز مؤشرات من بينها رفع الجزائر لشحنات الغاز إلى فرنسا، لتغطي ما نسبته 13 بالمئة من الطلب عوض 9 بالمئة، وأعقبه توقيع اتفاق الشراكة مع شركة “انجي” الناشطة في مجال الطاقة.

بالإضافة التراجع عن بعض مواد قانون الهجرة الذي كان سيضر بمصالح الجالية الجزائرية بفرنسا، وكلها ستكون دافعا لتقوية الروابط بين البلدين مستقبلا، وعلى رأسها العمليات الاقتصادية والتجارية، دون أن نسيان قضايا الذاكرة والتاريخ، ووجود لجنة مشتركة تدرس هاته الملفات خارج نطاق السياسة والتراشق الإعلامي.

وبالعودة، لانعقاد لجنة المشاورات الجزائرية الفرنسية، أوضح الأستاذ بوغرارة، أنها تندرج في مسعى إعادة بعث العلاقات الجزائرية الفرنسية، من خلال مناقشة مختلف الملفات والقضايا ذات الاهتمام المشترك بين البلدين وتحضير الزيارات على أعلى المستويات، في المستقبل القريب، في سياق مهم جدا لاعادة الدفء لمحور باريس- الجزائر.

وأضاف بوغرارة، أن المشاورات السياسية تناولت أيضا، الترتيبات للزيارة المرتقبة للرئيس تبون إلى فرنسا، والتي تحظى باهتمام كبير جدا، لمراجعة عديد الملفات المستقبلية خاصة في ظل التحولات الجيواستراتيجية وانتشار الأزمات في المتوسط، وتبعات الحرب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والأزمة الأوكرانية.

وأردف بوغرارة، أن زيارة الرئيس تبون لن تكون للسياحة كما صرّح بها هذا الأخير في وقت سابق، وهي رسالة قوية وواضحة للطرف الفرنسي، تقضي بضرورة تغيير فرنسا من نظرتها لبعض الملفات، وتدعوها للاعتدال في مواقفها، والتوصل إلى علاقات أكثر ندية، مع مراعاة شروط الجزائر في إقرار زيارة الرئيس تبون، وتحييد استهداف الدوائر المظلمة في الإليزي للثوابت والقيم الجزائرية.

ملفات إقليمية ذات إهتمام مشترك

أبرز الدكتور مخلوف وديع، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات والدولية بجامعة قالمة، أن المشاورات الجزائرية الفرنسية الدورية، لها وزنها على صعيد الرهانات الإقليمية والدولية، بحث أن فرنسا اليوم مطالبة بتحمل مسؤوليتها لتأزم الوضع في عديد بلدان الساحل الإفريقي، التي شهدت تغيرات غير دستورية وانقلابات عسكرية.

ومن غير المعقول، على حد قول خيبر العلاقات الدولية، أن تقوم فرنسا بحملتين عسكريتين “سرفال” و”برخان” في منطقة الساحل اللّتان نتج عنهما إضافة لإخفاقهما الاستراتيجي، شعور إفريقي متنامي رافض لتواجد الفرنسييين على أراضي تلك الدول، ثم تنسحب لاحقا لتترك الحدود الجزائرية الجنوبية مشتعلة وفي حالة من عدم الاستقرار، بفعل الانهيار الأمني الناتج عن الفراغ الذي تركته مغادرة القوات الفرنسية من المنطقة.

وفي سياق الملفات الدولية ذات الاهتمام المشترك، يرى الدكتور مخلوف، أن فرنسا الرسمية مطالبة بموقف واضح تجاه مسألة الصحراء الغربية، والقضية الفلسطينية، في ظل تجاهل القانون الدولي ولوائح الأمم المتحدة لجرائم غزة، وعد م تسوية ملف الصحراء الغربية المدرج ضمن لجنة تصفية الاستعمار.

وارتباطا بما سبق يؤكد المتحدث، أن استمرار القطيعة بين البلدين لا يمكن تواصلها بحكم المصالح المشتركة بين البلدين، ففرنسا بحاجة للجزائر كونها فاعلا استراتيجيا، لما لها من أوراق وعناصر قوة في المنطقة، وبعدها الجيواستراتيجي من ساحل البحر الأبيض المتوسط لغرب ووسط وجنوب القارة الإفريقية، أما الجزائر فتربطها مسائل تاريخية ومصالح اقتصادية مع فرنسا.

صفعة جديدة للمخزن بخصوص ملف الصحراء الغربية

يرى الخبير في العلاقات الدولية حكيم بوغرارة، أن المشاروات السياسية في الدورة المنعقدة، في سياق العلاقة بين الدولتين، ودول الجوار، ولم تتطرق إلى زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى المغرب، باعتبار أن الوزير الفرنسي أكد أن قضية الصحراء الغربية ستحل على مستوى أروقة الأمم المتحدة.

وفي ذات السياق أشار المتحدث، إلى توازن الموقف الفرنسي بخصوص مسألة تصفية الاستعمار بالصحراء الغربية، التي جاءت على لسان وزير خارجيتها، الذي أكد أن بلاده تدعم مجهودات وعمل المبعوث الأممي ستيفان دي مسيتورا، وأن دراسة القضية لن تخرج عن سياق وقرارات هيئة الأمم المتحدة.

وأكد بوغرارة، أن تصريحات وزير الخارجية الفرنسي، جاءت معاكسة تماما لتصريحات ملك المغرب الذي قال بأن بلادة تنظر في علاقاتها وسياساتها الدولية بمنظار ملف الصحراء الغربية، وهو ما لم يؤثر مع فرنسا التي كان موقفها واضحا في هذان الشأن.

وفي ذات الصدد لفت الدكتور مخلوف وديع، إلى أن ملف الصحراء الغربية مسجل ضمن لوائح القانون الدولي كقضية تصفية استعمار، وفق مبدأ تقرير المصير باستفتاء الشعب الصحراوي، وليس حسب السعي لتحقيق المصالح مع هذا الطرف أو ذاك، وهذا ما ينوّه له الجانب الجزائري في كل مرة تجمعه بالنظيره الفرنسي.

وعلاوة على كون الموقف الجزائري من قضية الصحراء الغربية، يندرج ضمن قوانين ولوائح الأمم المتحدة، فالجزائر طرف مهتم بالصراع ولسيت طرف مباشر فيه، كما جاء على لسان وزير الخارجية أحمد عطاف في عدة مناسبات.

مواجهة التدخلات الأجنبية بالمنطقة

يعزو الدكتور مخلوف وديع، الحاجة للعمل المشترك الجزائري- الفرنسي، والمشاورات السياسية إلى مواجهة التدخلات الأجنبية والقوى الخارجية المتواجدة في المنطقة، على رأسهم “فاغنر” الروسية، وبعض دول الخليج التي تدعم ماليا اللااستقرار في منطقة الساحل، على قائمتها الإمارات العربية.

كما أن محاولة الكيان الصهيوني التموقع في إفريقيا ومنطقة الساحل خصوصا عبر وكيله في المنطقة، المخزن المغربي الذي يسعى جاهدا لتقويض أمن واستقرار الجزائر في فضائها الحيوي الإقليمي والقاري، وهو ما يضر أيضا بالمصالح الاقتصادي الفرنسية الكبيرة في المنطقة، خصوصا معدن اليورانيوم الذي يدخل في معادلة الأمن الطاقوي لفرنسا، في تحريك عجلتها الاقتصادية وتوفير التيار الكهربائي.

في المقابل يقول أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية مخلوف وديع، أن الجزائر تسعى لتأمين حدودها الجنوبية التي تشكل منطلقا لتحقيق نهضة اقتصادية، وإعادة التموقع في إفريقيا بعد غياب لسنين طويلة، بالاضافة لعديد المشاريع الرئيسية المبرمج تحقيقها في إفريقيا، والتي تشكل الجزائر منطلقها كالطريق السيار شمال جنوب، والطريق السيار تندوف الزويرات عبر موريتانيا، وأنبوب الغاز الجزائر نيجيريا، وغيرها، وبتجسيد هذه المشاريع تضمن فرنسا عوائد اقتصادية وتجارية بالتنسيق مع الجزائر.