نزار قباني .. سيرة ذاتية قصيرة
من هو نزار قباني؟ ولد نزار قباني سنة 1923, في” مئذنة الشحم” في دمشق, ليعيش طفولته مدللا بين اخوته, في منزله الدمشقي الأصيل, وهو من البيوت الشامية القديمة, ويتكون من طابقين, أحدهما باحة مكشوفة مصنوعة من الرخام والأعمدة الرخامية, التي يتسلقها الياسمين الأبيض والورد الأحمر وفيها شجر الليمون, وفي منتصف الباحة نافورة مياه.
نشأ نزار في هذا الجو الرومانسي الجميل, تربطه بأمه علاقة حميمة. فقد ظلت ترضعه من صدرها حتى بلغ السابعة من عمره, وتطعمه الطعام بيدها حتى بلغ الثالثة عشرة من عمره, حتى قالوا عنه انه يعاني من عقدة “اوديب” عاشق أمه, حتى أن بعض العلماء النفسيين أخذ يطبق علم النفس على شعر نزار, ويرى أن سر استعماله كلمة “نهد” هو طول فترة رضاعته.
تخرج نزار سنة 1945 من كلية الحقوق في جامعة دمشق, ثم التحق بوزارة الخارجية السورية, وانتقل في العام ذاته الى القاهرة موظفا دبلوماسيا في السفارة السورية. وكان عمره انذاك 22 عاما, وكانت القاهرة في ذروة نضجها الثقافي والصحافي والاذاعي, وكان نزار يحمل في جعبته ديوان شعر جديد اسمه خارج عن المألوف في عالم الكتاب وهو “طفولة نهد”. وكانت صياغته الشعرية غير مألوفة أيضا في ذلك الزمان.
شعر نزار قباني
حب بلا حدود
يا سيِّدتي:
كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي
قبل رحيل العامْ.
أنتِ الآنَ.. أهمُّ امرأةٍ
بعد ولادة هذا العامْ
أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّامْ.
أنتِ امرأةٌ
صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ
ومن ذهب الأحلامْ
أنتِ امرأةٌ.. كانت تسكن جسدي
قبل ملايين الأعوامْ
يا سيِّدتي:
يالمغزولة من قطنٍ وغمامْ.
يا أمطاراً من ياقوتٍ
يا أنهاراً من نهوندٍ
يا غاباتِ رخام
يا من تسبح كالأسماكِ بماءِ القلبِ
وتسكنُ في العينينِ كسربِ حمامْ.
لن يتغيرَ شيءٌ في عاطفتي
في إحساسي
في وجداني.. في إيماني
فأنا سوف أَظَلُّ على دين الإسلامْ
يا سيِّدتي:
لا تَهتّمي في إيقاع الوقتِ وأسماء السنواتْ.
أنتِ امرأةٌ تبقى امرأةً.. في كلَ الأوقاتْ.
سوف أحِبُّكِ
عند دخول القرن الواحد والعشرينَ
وعند دخول القرن الخامس والعشرينَ
وعند دخول القرن التاسع والعشرينَ
و سوفَ أحبُّكِ
حين تجفُّ مياهُ البَحْرِ
وتحترقُ الغاباتْ
قصيدة الحزن
علمني حبك ..أن أحزن
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة تجعلني أحزن
لامرأة أبكي بين ذراعيها
مثل العصفور..
لامرأة.. تجمع أجزائي
كشظايا البللور المكسور
***
علمني حبك.. سيدتي
أسوأ عادات
علمني أفتح فنجاني
في الليلة ألاف المرات
و أجرب طب العطارين
و أطرق باب العرافات
علمني ..أخرج من بيتي
لأمشط أرصفة الطرقات
و أطارد وجهك
في الأمطار ، و في أضواء السيارات
و أطارد طيفك
حتى .. حتى
في أوراق الإعلانات
علمني حبك
كيف أهيم على وجهي..ساعات
بحثا عن شعر غجري
تحسده كل الغجريات
بحثا عن وجه ٍ..عن صوتٍ
هو كل الأوجه و الأصواتْ
***
أدخلني حبكِ.. سيدتي
مدن الأحزانْ
و أنا من قبلكِ لم أدخلْ
مدنَ الأحزان
لم أعرف أبداً
أن الدمع هو الإنسان
أن الإنسان بلا حزنٍ
ذكرى إنسانْ
***
علمني حبكِ
أن أتصرف كالصبيانْ
أن أرسم وجهك
بالطبشور على الحيطانْ
و على أشرعة الصيادينَ
على الأجراس
على الصلبانْ
علمني حبكِ
كيف الحبُّ يغير خارطة الأزمانْ
علمني أني حين أحبُّ
تكف الأرض عن الدورانْ
علمني حبك أشياءً
ما كانت أبداً في الحسبانْ
فقرأت أقاصيصَ الأطفالِ
دخلت قصور ملوك الجانْ
و حلمت بأن تتزوجني
بنتُ السلطان
تلك العيناها .. أصفى من ماء الخلجانْ
تلك الشفتاها.. أشهى من زهر الرمانْ
و حلمت بأني أخطفها
مثل الفرسانْ
و حلمت بأني أهديها
أطواق اللؤلؤ و المرجانْ
علمني حبك يا سيدتي, ما الهذيانْ
علمني كيف يمر العمر
و لا تأتي بنت السلطانْ
***
علمني حبكِ..
كيف أحبك في كل الأشياءْ
في الشجر العاري..
في الأوراق اليابسة الصفراءْ
في الجو الماطر.. في الأنواءْ
في أصغر مقهى
نشرب فيهِ، مساءً، قهوتنا السوداءْ
علمني حبك أن آوي
لفنادقَ ليس لها أسماءْ
و كنائس ليس لها أسماءْ
و مقاهٍ ليس لها أسماءْ
علمني حبك
كيف الليلُ يضخم أحزان الغرباءْ
علمني..كيف أرى بيروتْ
إمرأة..طاغية الإغراءْ
إمراةً..تلبس كل كل مساءْ
أجمل ما تملك من أزياءْ
و ترش العطر.. على نهديها
للبحارةِ..و الأمراء
علمني حبك ..
أن أبكي من غير بكاءْ
علمني كيف ينام الحزن
كغلام مقطوع القدمينْ..
في طرق الروشة و الحمراء
***
علمني حبك أن أحزنْ..
و أنا محتاج منذ عصور
لامرأة.. تجعلني أحزن
لامرأة.. أبكي بين ذراعيها..
مثل العصفور..
لامرأة تجمع أجزائي..
كشظايا البللور المكسور..
أحبك جداً – الحب المستحيل
أحبك جداً
وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويـل
وأعرف أنك ست النساء
وانتِ السماء ..
وليس لدي بديـل
وأعرف أن زمان الحنيـن انتهى
ومات الكلام الجميل
…
لست النساء ماذا نقول
أحبك جدا..
أحبك جداً وأعرف أني أعيش بمنفى وحدي
وأنتِ بمنفى
وبيني وبينك
ريحٌ
وغيمٌ
وبرقٌ
ورعدٌ
وثلجٌ ونـار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأعرف أن الوصول إليك
انتحـار
ويسعدني
أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو خيروني
لكررت حبك للمرة الثانية
…
يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر
أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر
أحبك جداً وجداً
…
وأعرف أني أسافر في بحر عينيك
دون يقين
وأترك عقلي ورائي وأركض
أركض
أركض خلف جنونـي وحدي
…
أيا امرأة تمسك القلب بين يديها
سألتك بالله لا تتركيني
لا تتركيني وحدي
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني
أحبك جداً
وجداً وجداً
وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا يا سيدتي
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقلا
وما همني
إن خرجت من الحب حيا
وما همني
إن خرجت قتيلا ابداً
قارئة الفنجان
جَلَسَت والخوفُ بعينيها
تتأمَّلُ فنجاني المقلوب
قالت:
يا ولدي.. لا تَحزَن
فالحُبُّ عَليكَ هوَ المكتوب
يا ولدي،
قد ماتَ شهيداً
من ماتَ على دينِ المحبوب
فنجانك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب
ستُحِبُّ كثيراً يا ولدي
وتموتُ كثيراً يا ولدي
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض
وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب
بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها، سبحانَ المعبود
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى و ورود
لكنَّ سماءكَ ممطرةٌ
يا ولدي
وطريقكَ مسدودٌ.. مسدود
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُهُ.. وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ..
من يدخُلُ حُجرتها مفقود
من يطلبُ يَدَها
من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها
يا ولدي..
مفقودٌ.. مفقود
بصَّرتُ.. ونجَّمت كثيراً
لكنّي.. لم أقرأ أبداً
فنجاناً يشبهُ فنجانك
لم أعرف أبداً يا ولدي
أحزاناً تشبهُ أحزانك
مقدُورُكَ.. أن تمشي أبداً
يا ولدي
في الحُبِّ .. على حدِّ الخنجر
وتَظلَّ وحيداً كالأصداف
وتظلَّ حزيناً كالصفصاف
مقدوركَ أن تمضي أبداً
يا ولدي
في بحرِ الحُبِّ بغيرِ قُلوع
وتُحبُّ ملايينَ المَرَّاتِ
وترجعُ كالملكِ المخلوع
عيناك
عيناكِ كنهري أحـزانِ
نهري موسيقى.. حملاني
لوراءِ، وراءِ الأزمـانِ
نهرَي موسيقى قد ضاعا
سيّدتي.. ثمَّ أضاعـاني
الدمعُ الأسودُ فوقهما
يتساقطُ أنغامَ بيـانِ
عيناكِ وتبغي وكحولي
والقدحُ العاشرُ أعماني
وأنا في المقعدِ محتـرقٌ
نيراني تأكـلُ نيـراني
أأقول أحبّكِ يا قمري؟
آهٍ لـو كانَ بإمكـاني
فأنا لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ وأحـزاني
سفني في المرفأ باكيـةٌ
تتمزّقُ فوقَ الخلجـانِ
مصيري الأصفرُ حطّمني
حطّـمَ في صدري إيماني
أأسافرُ دونكِ ليلكـتي؟
يا ظـلَّ الله بأجفـاني
يا صيفي الأخضرَ ياشمسي
يا أجمـلَ.. أجمـلَ ألواني
هل أرحلُ عنكِ وقصّتنا
أحلى من عودةِ نيسانِ؟
أحلى من زهرةِ غاردينيا
في عُتمةِ شعـرٍ إسبـاني
يا حبّي الأوحدَ.. لا تبكي
فدموعُكِ تحفرُ وجـداني
إني لا أملكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ ..و أحزاني
أأقـولُ أحبكِ يا قمـري؟
آهٍ لـو كـان بإمكـاني
فأنـا إنسـانٌ مفقـودٌ
لا أعرفُ في الأرضِ مكاني
ضيّعـني دربي.. ضيّعَـني
إسمي.. ضيَّعَـني عنـواني
تاريخـي! ما ليَ تاريـخٌ
إنـي نسيـانُ النسيـانِ
إنـي مرسـاةٌ لا ترسـو
جـرحٌ بملامـحِ إنسـانِ
ماذا أعطيـكِ؟ أجيبيـني
قلقـي؟ إلحادي؟ غثيـاني
ماذا أعطيـكِ سـوى قدرٍ
يرقـصُ في كفِّ الشيطانِ
أنا ألـفُ أحبّكِ.. فابتعدي
عنّي.. عن نـاري ودُخاني
فأنا لا أمـلكُ في الدنيـا
إلا عينيـكِ… وأحـزاني