-

المؤتمر الدولي للتعاون والهجرة.. الهجرة السرية

المؤتمر الدولي للتعاون والهجرة.. الهجرة السرية
(اخر تعديل 2024-09-09 15:34:55 )

انعقد المؤتمر الدولي للتعاون و الهجرة، المنتظر، في قصر شيجي بالعاصمة الإيطالية روما، برئاسة رئيسة المجلس الحكومي الإيطالي جورجيا ميلوني، و بحضور ممثلي دول حوض البحر الأبيض المتوسط و الشرق الأوسط و الخليج العربي، من رؤساء دول و رؤساء حكومات.

كما كان مناظرا، فقد اوفت ميلوني بوعدها لتنظيم هذا المؤتمر الذي جاء في وقت عصيب من العلاقات الدولية، على وقع النزاعات المسلحة و موجات الهجرة السرية التي لا زالت تحصد الأرواح في حوض المتوسط و في غيره.

لقد اسندت لهذا المؤتمر مهمة البحث عن حلول للمشاكل التي تعاني منها الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط، و كذا المناطق المحاذية لها، لا سيما منطقة الساحل التفريقي وإفريقيا الشرقية أين يحتدم الصراع على السلطة في السودان، و أكدت على أهداف واضحة و هي:

‌إطلاق خارطة طريق دولية لتنفيذ تدابير ملموسة للنمو والتنمية في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا
‌معالجة الأسباب الجذرية لتدفقات الهجرة غير النظامية
‌إيجاد حلول لحماية البيئة
‌مواجهة تحديات تنويع الطاقة وتغير المناخ
تعددت الأسباب و المحنة واحدة

قد تبدو هذه الأهداف نبيلة و سهلة التحقيق، و لكن عند تشخيص ظاهرة الهجرة، تبدو لنا العملية شبه مستحيلة، لأن الأسباب أعمق و أعقد مما نتصور، فهي ليست محلية و محدودة في الزمان و المكان، و لكن أسبابها و تداعياتها مرتبطة بالمناخ الدولي برمته، و بالنظام الدولي السائد، الذي يلد الأزمات و النزاعات المسلحة، و الفوارق الاجتماعية، الاقتصادية و البيئية، فحسب احصائيات المنظمة الدولية للهجرة (IMO)، عدد الذين أجبروا على الرحيل 89.3 مليون عبر العالم، و قد تم إحصاء عدد طلبات اللجوء من طرف المحافظة السامية للاجئين بحوالي 4.6 مليون لاجئ، علما أن عدد اللاجئين 21.3 مليون (50 بالمائة منهم لديهم أقل من 18 سنة) بالإضافة إلى 5.8 لاجئ فلسطيني الذين تم إحصاؤهم من طرف الأونروا. بالمختصر المفيد، يكره شخص على الفرار من مقر سكناه كل ثانيتين.

كما سبق و أن ذكرنا، فإن أسباب الهجرة السرية عميقة و معقدة، فأولى هذه الأسباب، الفقر و الازمات الاقتصادية التي توالت منذ عقدين من الزمن، مما يؤدي بمئات الآلاف من الأشخاص الذين يعدون ضحايا هذه الازمات إلى الهجرة بأي وسيلة كانت بحثا عن رغد العيش في الضفة الأخرى أو في مكان آخر من هذا العالم، أضف إلى ذلك الحروب بشتى أشكالها و انواعها، و لعل تصاعد هجمات المنظمات الإرهابية في منطقة الساحل في كل من مالي، بوركينافاسو و النيجر، وصولا إلى نيجريا و خليج البنين، بالإضافة إلى الحرب الأهلية في السودان و الذي زادت من وطأة العوز و هشاشة الوضع الذي كان كارثيا من قبل، كل هذه النزاعات لا تترك أي خيار امام العائلات المعزولة إلا الفرار، و اللجوء إلى الاماكن الآمنة بحثا عن الامن و ما يسد رمقهم.

للنزاعات الطائفية و العرقية نصيب من معاناة الفارين افرادا و جماعات، فالحرب الاهلية في السودان قد ضاعفت من حدة هذه النزاعات في دارفور، بالإضافة إلى لجوء بعض الاقليات إلى التمرد و العمل المسلح في إثيوبيا و إرثيريا، و نجد دائما المدنيين هم من يدفع الثمن باهضا في نهاية الامر.
من غير المنطقي عدم ذكر القمع السياسي و مصادرة الحريات التي أضحت من سيمات أغلب الانظمة السياسية في دول الجنوب فما يحدث في تونس من احتقان سياسي، و إهدار للحريات في السودان و قمع المتظاهرين في السينغال، بالإضافة إلى تصاعد عدد سجناء الرأي في كل من مصر و دول شمال إفريقيا تدفع بالآلاف ممن ضاقت بهم السبل و انسدت أفقهم إلى محاولة المغامرة عبر الوسائل المتاحة للالتحاق بالضفة الأوربية أملا في الكرامة و الامن.

إن الكوارث المناخية و الطبيعية قد فاقمت من تنقل الأشخاص بأعداد كبيرة نحو دول الشمال، من جفاف، تصحر و نقص في الموارد المائية، بالإضافة إلى الكوارث الجوية التي تحصد في الأرواح و البنى التحتية، فهذه الكوارث ترغم الملايين من البشر على الهجرة إلى اماكن آمنة.

الهجرة السرية .. شرخ في صرح التضامن الأوربي

إن من نقاط الخلاف التي تعرقل رأب صدع البيت الاوربي، هي الهجرة السرية التي وضعت الثقة المتبادلة بين الدول الأوربية و كذا التضامن المعلن لهذه الدول على المحك، فمنذ بداية السنة الجارية، تضاعفت الاجتماعات الرسمية على مستوى البيت الأوربي للوصول إلى حلول ترضي جميع الأطراف، و لكن دون جدوى، هناك خلافات عميقة حالت دون وضع سياسة مشتركة لمكافحة الهجرة السرية بين الدول الأعضاء، و أمام رغبة الدول الأعضاء في إبرام اتفاقيات تعاون و تنسيق مع الدول المصدرة للمهاجرين، ثمة معضلة حقيقية هي إما وجود بعض هذه الدول في مناطق صراع مسلح يحول دون التوصل إلى تطبيق مثل هذه الاتفاقيات، أو تحكم أنظمة مستبدة في البعض الآخر، أين يصعب معالجة الظاهرة معالجة ناجعة، لأن قضية الهجرة أضحت قضية جيوسياسية شاملة تقتضي حلولا شاملة و في إطار مؤسسات إقليمية كبيرة و تنسيق على أعلى مستوى.

في عام 2022 ، تم تقديم ما يقرب من مليون طلب لجوء في الاتحاد الأوروبي وكذلك في سويسرا والنرويج. لم يكن هناك مثل هذا العدد من قبل منذ عام 2016. وقال وزير الداخلية النمساوي غيرهارد كارنر إن على الدول المعنية اتخاذ إجراءات صارمة . و على هامش اجتماعاتها الرسمية ، أعلنت المستشارة الفيدرالية أليزابث بوم-شنايدر أنها تعارض الاستعانة بمصادر خارجية (إعادة التوطين في الخارج) لإجراءات اللجوء ، كما خططت لها بريطانيا العظمى مع رواندا. وقالت “هذا غير وارد” ، لا سيما بسبب غياب الأسس القانونية لذلك، ولقد لاحظنا غياب كل من ممثلي فرنسا و إسبانيا على طاولة الحوار خلال هذا المؤتمر ، و هذا يعطي انطباعا على وجود خلافات عميقة حتى بين دول جنوب البحر المتوسط.
ما يمكن ملاحظته هو أن المقاربة الاوربية للموضوع لا زالت سطحية، مشتتة و براغماتية للغاية، أي أن الاوربي ن لم يستطيعوا التغلب على أنانيتهم في تعاملهم مع الموضوع، و أما عن دول الجنوب فهي عاجزة كل العجز في معالجتها بسبب مشاكلها الهيكلية و التي افرزت هذه الظاهرة، و ليست لديها أي رؤية واضحة لطرح الموضوع و إيجاد مخرجات له، و تكتفي في أغلبها في سن قوانين ردعية ضد الذين يحاولون الهجرة بطرق غير قانونية أو استصدار فتاوي شرعية تحرم الهجرة السرية، دون بلورة سياسات واقعية لمعالجة المعضلة.

فيصل إزدارن

دكتور باحث في علم الاجتماع السياسي - باريس