-

دعم فرنسا الحكم الذاتي في الصحراء الغربية..

دعم فرنسا الحكم الذاتي في الصحراء الغربية..
(اخر تعديل 2024-09-09 15:34:55 )

أعلنت فرنسا دعمها مقترح الحكم الذاتي المغربي في الصحراء الغربية بشكل صريح وواضح ورسمي، وغضبت الجزائر أيما غضب، وفرحت الرباط بشكل هيستيري، وصمتت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والجامعة العربية، الأمر الذي يثير تساؤلات حول الرابح والخاسر من الخطوة الفرنسية؟.

الجزائر تتوعد فرنسا

وكشف وزير الخارجية أحمد عطاف، أن قرارات إضافية ستتخذها الجزائر ضد فرنسا “عقابا” على خطوتها، وقال إنه “سنقوم بالخطوات اللازمة التي سنعبّر من خلالها عن رفضنا لإقدام فرنسا على خطوة خطيرة على المنطقة، وعلى الجهود التي تبذل خصيصا في هذا الظرف لإيجاد حل سلمي وسياسي لقضية الصحراء”.

مشددا أن “هذا ليس مجرد استدعاء سفير للتشاور، هذا تخفيض لمستوى التمثيل الدبلوماسي، إنها خطوة مهمّة للتعبير عن إدانتنا واستنكارنا لموقف باريس”، وتابع أن سحب السفير خطوة أولى ستليها خطوات أخرى.

وحذر عطاف، من أن خطوة مثل هذه لن تسهم في إحياء المسار السياسي، بل ستغذي الانسداد الذي أدخلت فيه خطة الحكم الذاتي القضية الصحراوية منذ أكثر من 17 سنة، مشيرا إلى أن الاعتراف الفرنسي لم يسهم إيجابا في تحقيق زيارة تبون المرتقبة لباريس.

وأبرز أن هذا القرار الذي تدّعي باريس أنه يرمي إلى إحياء المسار السياسي لتسوية النزاع في الصحراء الغربية يسهم على النقيض من ذلك في تكريس حالة الجمود، التي تعاني منها العملية السياسية منذ ما يقرب العقدين من الزمن، موضحا أن الخطوة الفرنسية يمكن وصفها بعبارة بسيطة “هبة مَن لا يملك لمَن لا يستحق”.

خطوة متوقعة

وكان متوقعا الإعلان الفرنسي، بالنظر إلى التقارب مع المغرب المتمثل في الإشارات الإيجابية التي أرسلتها باريس إلى الرباط، من أجل تجاوز فترة البرود الدبلوماسي الذي شهدته العلاقات الثنائية في السنوات الأخيرة، لاسيما أن مستعمر الأمس عمد إلى الانخراط في المشاريع الاستثمارية الكبرى في الصحراء الغربية، كما شمل التقارب والتعاون مختلف القطاعات بما فيها الصفقات المرتبطة باقتناء السلاح، وكل ذلك ما كان لتقبل به الرباط دون مقابل والمتمثل في موقف صريح بشأن ملف الصحراء الغربية.

بالمقابل، لم تشهد العلاقات الجزائر الفرنسية أي تقارب إيجابي، ما عدا زيارات محتشمة لمسؤولين من الدرجتين الثانية والثالثة، وتصريحات باردة، لتبقى ملفات الذاكرة والهجرة والاستثمار والصفقات الاقتصادية واللغة تعكر أية محاولة لتصفية الأجواء.

خاصة أمام تصاعد اليمين في فرنسا واستعادة دعاة “الجزائر فرنسية” لمواقعهم بين صناع القرار في باريس، الذين يرفضون أية ندية للجزائر أو محاولة فرضها إملاءات أو فتحها ملفات مثل الأرشيف أو جماجم المقاومين والأموال المهربة، بدليل عجز الطرفين تحديد موعد زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تون إلى باريس.

ويبدو أن إخطار فرنسا للجزائر “سريا” قبل إصدار بيان دعم المقترح المغربي، يعبر عن رغبة فرنسا في عدم إفساد ما تبقى من علاقات مع الجزائر، لكن أطراف فسرت تسريب الجزائر للخبر قبل الكشف عنه في باريس إنما يأتي لتأكيد “الغضب” الشديد من الاستفراد بالقرار، وأيضا تجنبا لأية محاولة فرنسية “غادرة” للتأثير على الرأي العام الجزائري والتشويش على الانتخابات الرئاسية.

الرابح والخاسر

وفي السياق، يقول أستاذ القانون حاج حنافي، في تصريح لـ”أوراس”، إن مقترح الحكم الذاتي هو للالتواء على الشرعية الدولية، لأن مبدأ تقرير مصير الشعب الصحراوي على أرضه معناه أولا إعطاء الشعب الصحراوي إمكانية الاختيار الواقعي وبإرادته بكل ديمقراطية عن طريق تنظيم استفتاء حر ونزيه وتحت رقابة دولية من منظمات وإعلام، لكن الحكم الذاتي هو دعم غربي لبسط السيطرة والتحكم في الضفة الجنوبية للبحر المتوسط اقتصاديا وسياسيا.

وأوضح محدث “أوراس” أن نظام المخزن قام ويقوم بتشييد مرافق تنموية لتفريق الرؤية الوطنية الصحراوية عن المطالبة بتطبيق المبدأ، وتسييسه بالارتكان إلى بعض من أبناء جلدتهم وشرائهم بالمناصب لخلق جبهة من الدعم الداخلي، تثمينا لتلك المرافق المشيدة، من أجل خلق فكر استيطاني بل ومحاولة التغرير بالشباب الذي لا حول له ولا قوة، بأن مستقبلهم أفضل من أقرانهم في مخيمات اللاجئين بتندوف أو في الأراضي الصحراوية المحررة.

وبالتالي، يوضح حنافي، أن الرابح الأول من خطوة باريس، هو الغرب بقيادة فرنسا ثم “إسرائيل” تجسيدا لسياسة إضعاف المنطقة والسيطرة على شعوبها ولكي يستشرف أمنها القومي، ومساومة الجزائر على الخصوص.

وأضاف أن الخاسر الأكبر هو الشعب الصحراوي الذي يحاولون إذابة هويته ومسخ تاريخه وإنهاء قضيته خدمة لشعوب أخرى، وختم أنه الأعضاء غير الدائمين بمساندة الصين وروسيا تقديم مشروع لدى منظمة الأمم المتحدة لقطع الطريق أمام مساعي الغرب بقيادة فرنسا وحلمها في الرجوع استراتيجيا إلى القارة السمراء.

فرنسا تحرق آخر أوراقها

من جانبه، يرى عضو رابطة الصحفيين والكتاب الصحراويين في أوروبا، الشيخ لكبير مصطفى سيد البشير، في حديث مقتضب لـ”أوراس”، إن الخاسر الأكبر من وراء القرار الفرنسي، ليس البوليساريو ولا الشعب الصحراوي ولا حتى حلفائهم وفي مقدمتهم الجزائر، إنما هي فرنسا حد ذاتها، لأنها فقدت شرعية حضور أي خطة أو طرح من شأنه إنهاء النزاع بالصحراء الغربية.

وقال إن فرنسا كشفت عن وجهها الحقيقي الذي حاولت إخفاؤه مؤخرا، وحرقت ورقة كان من الأفضل لها الاحتفاظ بها، لأن التوازن فيها ولو ظاهريا، سيكون أكثر نفعا لها وللمغرب من تأييد طرح الحكم الذاتي، الذي يناقض تماما مخطط التسوية لسنة 1991، ويضرب عرض الحائط كل القوانين والمواثيق الدولية، لأنه ببساطة يعارض حق الشعوب في تقرير مصيرها الذي تقر بشرعيته الأمم المتحدة.

علاقة ثلاثية معقدة

إلى ذلك، يعتبر الصحفي الفرنسي ألان جوردان، في تصريح خاص لـ”أوراس”، أن هناك مصالح في العلاقات بين الجزائر وفرنسا، لذا يجب انتظار وترقب ردود الأفعال، “لأننا أمام معادلة ثلاثية الجزائر- فرنسا- المغرب، وما على فرنسا إلا بناء علاقات مع الجزائر والمغرب معا”، مشيرا إلى أن هناك سلطة هشة في فرنسا مع غياب استقرار حكومي، لذا فالأمر يتطلب الحذر، وأردف أن القرار وراءه شبه ابتزاز للحصول على مصالح مع الجزائر.

وكشف الصحفي الفرنسي، أنه كان هناك تنسيق عالي المستوى بين الاستخبارات الفرنسية ونظيرتها المغربية من أجل ضمان الأمن وإنجاح الألعاب الأولمبية الجارية في باريس، وقد تم تحقيق نتائج جيدة مع تفكيك عدة خلايا إرهابية، وهو ما يزيد من التقارب الفرنسي المغربي، وختم أنه عند الحديث عن علاقة فرنسا بالجزائر والمغرب نحن نتحدث عن علاقات معقدة، لأن فرنسا لها مصالح مهمة مع البلدين، وبالتالي فإن تسيير المرحلة سيكون بحذر شديد.