-

الرقابة الجبائية الرقمية في الجزائر

الرقابة الجبائية الرقمية في الجزائر
(اخر تعديل 2025-05-03 03:00:34 )

الرقابة الجبائية الرقمية: بداية جديدة في الجزائر

في زمن يتسارع فيه نمو التجارة غير الرسمية في الجزائر، خاصة عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، اتخذت الحكومة خطوة جريئة بفتح ملف الضرائب على الأنشطة الربحية غير المعلنة، وهو ملف ظل مغلقًا لفترة طويلة. هذه الخطوة تمثل بداية “الرقابة الجبائية الرقمية” التي من المتوقع أن تُثير جدلًا واسعًا في أوساط الشباب ورواد الأعمال الصغار، بالإضافة إلى المتعاملين العاديين في السوق.

الإجراءات الحكومية وتفاصيل القرار

القرار الذي صدر في الجريدة الرسمية يأتي في إطار تعاون وزارتي المالية والتجارة الداخلية. ويستند إلى المادة 115 من قانون المالية لسنة 2022، ويهدف إلى تحديد الأنشطة الربحية الاعتيادية التي يقوم بها الأفراد دون وجود سجل تجاري.

بموجب هذا الإجراء، أصبح في إمكان السلطات إخضاع أي فرد يحقق أرباحًا عبر معاملات تجارية متكررة (ثلاث مرات أو أكثر في السنة) للرقابة الجبائية، حتى وإن لم يكن لديه شركة أو سجل تجاري. تشمل هذه الأنشطة المبيعات عبر منصات التواصل الاجتماعي، التجارة الإلكترونية غير المهيكلة، وتقديم خدمات رقمية مدفوعة.

الإجراءات المتبعة تشمل

  • إرسال إعذارات رسمية لتسوية الوضعية الجبائية.
  • تحرير محاضر معاينة في حالة عدم الامتثال.
  • فرض ضرائب ورسوم بأثر رجعي على المعاملات الموثقة.

جدل بين التنظيم والردع

هذا القرار أثار جدلًا كبيرًا، حيث اعتبره البعض خطوة جادة لإخضاع الاقتصاد الموازي للمراقبة، بينما رأى فيه آخرون تهديدًا لمشاريع الشباب الصغيرة التي نجحت في الانطلاق عبر الإنترنت. وفي هذا السياق، أشار الخبير الاقتصادي سليمان ناصر إلى أن الهدف الرئيسي من القرار يتمثل في مكافحة تبييض الأموال وتقليص السوق الموازية، التي تُقدّر قيمتها حاليًا بحوالي 90 مليار دولار.

وأضاف ناصر أن الاقتصاد الموازي موجود في جميع أنحاء العالم، ولكنه لا يتجاوز عادة 10-15% من الحجم الكلي، بينما يمثل في الجزائر أكثر من 40%، مما يشكل تهديدًا للاستقرار المالي. وأكد أن النوايا من القرار جيدة، لكن فعاليته مشكوك فيها بسبب ضعف الثقة في النظام المصرفي.

المواطنون، بحسب ناصر، يمتنعون بشكل كبير عن إيداع أموالهم في البنوك بسبب فقدان الثقة، خاصة بعد أزمة بنك الخليفة وما خلفته من ضياع لمدخرات المواطنين، مما قد يؤدي إلى نتائج عكسية من خلال زيادة عزوف المواطنين عن التعامل مع البنوك.

من المستفيد من القرار؟

على جانب آخر، يرى الخبير الاقتصادي جلول سلامة أن هذا القرار لا يتعلق بريادة الأعمال، بل يدخل ضمن خطة تنظيمية قديمة تهدف إلى تحسين تحصيل الضرائب. واعتبر سلامة أن هذا الإجراء يمثل ضغطًا إضافيًا على التدفقات النقدية غير المعلنة، ويستهدف الوسائل الأكثر شيوعًا للدفع في السوق الجزائرية.

وأكد أن المستفيد الأول من القرار هو الخزينة العمومية، حيث الهدف الأساسي هو إدراج العمليات غير النظامية تحت الرقابة. ورغم ذلك، لا يقدم هذا الإجراء أي تحفيز للاستثمار أو التنويع الاقتصادي، بل يُعتبر أداة رقابة بحتة.

التجارة الإلكترونية بين المطرقة والسندان

وفي سياق متصل، أعرب سليمان ناصر عن استغرابه من تناقض الإجراءات الحكومية، مشيرًا إلى أن الدولة تقدم إعفاءات جمركية وضريبية مهمة للمشاريع الصغيرة. كما أشار إلى أنه من غير المنطقي إخضاع مبالغ صغيرة جدًا للمساءلة الجبائية، خاصة في ظل تدهور قيمة الدينار وارتفاع نسب التضخم.

واقترح ناصر وضع سقف مالي محدد كمؤشر للتمييز بين النشاط التجاري النظامي القابل للضريبة، والمداخيل البسيطة التي تُعتبر مبادرات فردية. كما دعا إلى ضرورة التفريق بين بائع يروج لمنتجات بسيطة على فيسبوك، وبين من يُدير متجرًا رقميًا يُحقق منه ملايين.
معركة هير 2 الحلقة 16

في النهاية، تبقى التساؤلات قائمة: هل ستكون هذه الإجراءات خطوة أولى نحو اقتصاد رقمي منظم، أم أنها قد تُعيق طموحات جيل كامل من رواد الأعمال الشباب؟