-

لماذا غابت ثقافة المناظرات في الحملة الانتخابية

(اخر تعديل 2024-09-09 15:34:55 )

على عكس دول الديمقراطيات الكبرى وبالرغم من التقدم المحرز فيما تعلق بالممارسة السياسية الديمقراطية في البلاد مقارنة مع عدة بلدان، إلا أن المناظرات تغيب عن الحراك الانتخابي الحاصل في الجزائر، ما عدا استحقاق 2019 الرئاسي حيث تقابل المترشحون الخمسة أمام الجزائريين.

وظل استمرار المناظرات الانتخابية في الدول الكبرى، والتي تطورت بشكل كبير على جميع المستويات، من الديكور والبث الواسع والأسلوب الراقي في إدارتها وقوة المتنافسين على التجاوب الإيجابي مع كل الأسئلة والانشغالات بما يبرز إمكانيات كل طرف، يواصل الشارع الجزائري متابعة الحملة الانتخابية لرئاسيات 7 سبتمبر بشكل روتيني، بين جدران القاعات ودوريات جوارية ولقطات تلفزيونية وخرجات إذاعية.

ضغط الحراك

وأمام التساؤلات التي تصب في سياق عدم اهتمام المترشحين بالمناظرات في إيصال أفكارهم وعرض برامجهم، يقول الباحث في الشؤون السياسية عمار سيغة، في تصريح لـ”أوراس”، إن ثقافة المناظرات السياسية هي غائبة ليس في الجزائر فقط وإنما في المشهد العربي ككل، وأول تجربة في تاريخ الجزائر مع هذا النمط من الممارسة السياسية كانت المناظرة الشهيرة التي جمعت المترشحين الخمسية لرئاسيات 2019، وفاقت الساعتين من الشد والجذب وعرفت متابعة واسعة من الجزائريين.

وأضاف أن غياب هذه الثقافة السياسية يعود لعدة أسباب وخلفيات منها أنه يطبعها المباشر ما قد يحدث إرباكا لدى منشطيها من المترشحين، مشيرا إلى أن الظرف الذي وجدت فيها مناظرة المرة السابقة كان استثنائيا مع الحراك الشعبي الذي عاشته البلاد، وربما رغبة صانع القرار الجزائري في امتصاص الغضب والامتعاض والرفض الشعبي للاستمرار في نفس المشهد، وأبرز أن تجربة 2019، “رافقتها اللامهنية واللااحترافية في عملية صياغة وطرح الأسئلة مع محدودية مستويات الحرية الإعلامية، حتى إن كان هناك ظاهريا انفتاحا إعلاميا غير أن الحقيقة لا تزال هناك الكثير من الإصلاحات في مجال ترقية الحريات” وفق تعبيره.

رئاسيات هادئة

وأوضح سيغة، أنه لو تعتمد هذه الآلية سكون لها حتما صدى وكل القبول، وستمنح العملية الانتخابية مزيدا من الشفافية وتجعل المترشح لمنصب رئيس الجمهورية مدعو لمراجعة كل حساباته وضبط كل إمكانياته من أجل إقناع الناخبين والحصول على ترحيب جماهيري يمكنه من تحقيق النتائج المرجوة.

من جانبه، يرى الإعلامي حكيم مسعودي، في حديث لـ”أوراس”، أن ثقافة المناظرات مجسدة حيث تنتهج الديمقراطية وثقافة الاستماع للآخر وتقبل الاختلاف، وهذه المواصفات غير متوفرة في دول العالم الثالث، وقال إن الجزائر عرفت المناظرات في فترة الانفتاح الذي أعقب أحداث أكتوبر 1988 ودستور 1989، أين شهدت الساحة نوعا من “الديكليك” بين الإيديولوجيات المتطاحنة في تلك الفترة.

“استنشق الجزائريون عبق الديمقراطية في تلك الفترة، والمناظرات كانت إحدى أبرز فصولها التي لا تزال عالقة في أذهانهم” وفق مسعودي، وأشار إلى أن في رئاسيات 2019 عمدت السلطة في ظل رهانات ما بعد الحراك، إلى الحصول على أكبر قدر ممكن من المصداقية، لذا لجأت إلى مشهد المناظرة التي هي ممارسة طبعت الدول الديمقراطية، وختم أن هذه المرة، يبدو أن السلطة أو القائمين على هذه الانتخابات حريصين على مرور رئاسيات هادئة.

ولقيت المناظرة الرئاسية الأولى في التاريخ الانتخابي الجزائري، صدى واسعا سواء المؤيدين والمعارضين للمسار الانتخابي على السواء، إذ ولمدة 3 ساعات كاملة، تابع الجزائريون المناظرة تحت عنوان “الطريق إلى التغيير”، وجمعت على قدم المساواة بين المرشحين الخمسة لاستحقاق 12 ديسمبر2019، وهم عبد المجيد تبون، عبد العزيز بلعيد، عبد القادر بن قرينة، علي بن فليس، عز الدين ميهوبي، وقد سمحت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات ببثّها مباشرة عبر قنوات التلفزيون العمومي والإذاعة الوطنية، والقنوات التلفزيونية الخاصة المعتمدة.

وتشكلت من 13 سؤالا لتغطية أربعة مواضيع أساسية، وهي المجال السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وكذا قطاعات التربية والتعليم والصحة، والسياسة الخارجية، وحظي كل مترشح بدقيقتين للإجابة عن كل سؤال، أين حاول جميع المرشحين إظهار أنفسهم قريبين من الحراك الشعبي.


فعل ماضي الحلقة 3