عندما نتأمل في دعاء سيدنا إبراهيم المذكور في سورة البقرة، نجد أنفسنا أمام مشهد مؤثر يتحدث عن بناء البيت الحرام. يتضمن هذا الدعاء طلباً للأمن والأمان لهذا البيت المقدس ولأهله، بالإضافة إلى الثبات على الإسلام لذريته. كما يقول الله تعالى: (وإذ قال إبراهيم ربّ اجعل هذا بلدًا آمنًا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر…).
من اللافت للنظر أن الدعاء يتكرر في سورة إبراهيم، لكن التعبير عنه يختلف. ففي موضع ما جاء ذكر "البلد" بشكل نكرة، وفي موضع آخر بشكل معرفة. قد يكون هذا التغيير في الأسلوب مقصوداً، حيث أن الدعاء في سورة إبراهيم جاء بعد أن أضحت المنطقة بلداً آمناً، مما يبرر استخدام التعريف. كما أن استخدام النكرة في البداية يضفي عمقاً على المعنى، مما يجعل السامع يشعر بمدى أهمية هذا الطلب.
شراب التوت مدبلج 2 الحلقة 71
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن إبراهيم لم ينسَ ذكر والديه وذريته في أدعيته. فيقول الله تعالى: (ربّ اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء * ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب). وهذا يعكس مدى حرصه على الدعاء لأبنائه وأسرته، حيث أنهم أحق بالشفعة والنصيحة. فقد قال تعالى: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً…). فالأبناء هم أمانة، ودعاؤهم بالصلاح يمثل صلة قوية بين العبد وربه.
من النقاط المثيرة للاهتمام في دعاء إبراهيم هو تقديمه للثناء على الله قبل أن يسأله. كما ورد في قوله: (الذي خلقني فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين). وهذا يعكس أدباً عظيماً في كيفية الدعاء. فإبراهيم بدأ بمدح الله وتعظيمه، ثم انتقل إلى طلب حاجاته. وهذا الأسلوب يشير إلى أهمية الثناء على الله قبل السعي في طلب الأمور الدنيوية.
من المهم أن نتذكر أنه عندما نقدم الثناء لله، فإننا نكون بذلك أكثر قرباً للإجابة. فكلما بدأنا بالدعاء بتقديم الشكر والامتنان، كانت الفرصة أكبر لتحقيق ما نبتغيه. فإبراهيم، بتقدمه بالثناء، أظهر كيف يجب أن يكون موقف العبد أمام خالقه.
ومن الأمور التي تبرز في دعاء إبراهيم هو دعوته لخاتم الأنبياء، محمد صلى الله عليه وسلم، حيث قال: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يثلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم). وهذا يدل على مكانة محمد في قلوب الأنبياء، وكيف أن دعاء إبراهيم لم يقتصر فقط على نفسه وأسرته، بل شمل البشرية جمعاء.
في الختام، يعكس دعاء سيدنا إبراهيم عمق الإيمان وسمو الأخلاق. فهو يجمع بين الثناء على الله، الدعاء للأهل والذرية، والتوجه بخالص العبادة. فهو نموذج يحتذى به في كيفية التواصل مع الله، مما يجعلنا نتأمل في كيفية دعائنا وطلبنا من الله في حياتنا اليومية.