-

إشكالية التسلّح في المنطقة المغاربية

(اخر تعديل 2024-12-13 16:38:34 )

إشكالية التسلّح في المنطقة المغاربية

أظهرت دراسة حديثة صادرة عن المركز العربي للأبحاث ودراسات السياسات العديد من التحديات التي تواجه المنطقة المغاربية فيما يتعلق بالتسلّح، حيث تركزت التحقيقات حول التنافس المستمر بين الجزائر والمغرب. هذه الدراسة تسلط الضوء على الديناميكيات العسكرية والسياسية التي تجعل هذه المنطقة واحدة من أكثر المناطق تسلحًا في العالم، رغم عدم وجود تهديدات وجودية مباشرة بين الدول المغاربية.

التسلّح في أرقام

في إطار هذه الدراسة، قدم الباحث عبد النور بن عنتر، الأستاذ في جامعة باريس الثامنة، تحليلاً عميقاً للإنفاق العسكري المتزايد في الجزائر والمغرب خلال السنوات الأخيرة. ففي عام 2023، بلغ إنفاق الجزائر 18.1 مليار دولار، بينما سجل المغرب 17 مليار دولار، مما يعكس التنافس الحاد بين البلدين. ومن المدهش أن أكثر من نصف الإنفاق العسكري في القارة الإفريقية يأتي من أربع دول فقط من بينها الجزائر والمغرب، مما يؤكد على أهمية هذا التنافس في سياق سباق التسلّح العالمي.

أسباب التنافس

تستعرض الدراسة مجموعة من الأسباب العميقة التي تقف وراء هذا التنافس، حيث تشير إلى أن الجزائر والمغرب يسعيان لتعزيز موقعهما كدول مركزية في الإقليم، مما يعكس صراعًا على الزعامة الإقليمية أكثر من كونه رد فعل على تهديدات خارجية. كما تلقي الدراسة الضوء على القضايا السياسية العالقة، مثل نزاع الصحراء الغربية، التي تعزز من هذا التنافس، بالإضافة إلى التحالفات الدولية، خاصة التعاون العسكري بين المغرب و"إسرائيل"، الذي يعتبر تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الجزائري.

دينامية التسلّح المستقلة

تشير الدراسة إلى أن سباق التسلّح بين الجزائر والمغرب يتسم باستقلالية نسبية عن التوترات السياسية الحالية. حيث إن الإنفاق العسكري لا يعكس دائمًا تصاعد الأزمات الدبلوماسية بين البلدين، بل يمكن أن يكون مدفوعًا بعوامل هيكلية تتعلق بالقلق من تغير موازين القوى الإقليمية. بناءً على النظرية الواقعية في العلاقات الدولية، تُظهر الدراسة أن الدول غالبًا ما تتجه نحو التسلح كاستجابة لما يُعرَف بـ"معضلة الأمن"، حيث فتحت زيادة تسلح دولة ما المجال لرؤية تلك الزيادة كتهديد يستدعي ردًا مماثلًا.
الحديقة السرية مترجم الحلقة 7

المخاطر الإقليمية

حتى في غياب تهديدات وجودية واضحة بين الدول المغاربية، تحذر الدراسة من احتمال اندلاع مواجهة عسكرية بين الجزائر والمغرب. هذا الخطر يتجلى نتيجة للتفاعل بين عوامل طارئة مثل التحالفات الدولية وعوامل بنيوية متجذرة في تاريخ العلاقات الثنائية. وفي هذا السياق، تحذر الدراسة من أن استمرار التسلح بنفس الوتيرة قد يؤدي إلى تصعيد التوترات، لا سيما في ظل غياب آليات إقليمية فعالة للحد من سباق التسلح أو لتعزيز التعاون الأمني بين الدول المغاربية.

دور التحالفات الدولية

تلعب التحالفات الدولية دورًا محوريًا في تعزيز سباق التسلح، حيث أن التعاون العسكري بين المغرب و"إسرائيل" قد أثار قلق الجزائر، مما دفعها إلى زيادة إنفاقها العسكري لمواجهة هذا التهديد. كما تستثمر الجزائر بشكل كبير في تطوير صناعتها العسكرية لتحسين استقلاليتها وقدرتها على مواجهة أي تحديات إقليمية.

السباق إلى الزعامة

تتجاوز المنافسة بين الجزائر والمغرب الأبعاد العسكرية، حيث تشمل أيضًا الجوانب الاقتصادية والدبلوماسية. كل دولة تسعى إلى تأكيد ريادتها الإقليمية من خلال بناء تحالفات دولية واستغلال نقاط ضعف الطرف الآخر. وعلى الرغم من أن هذا التنافس محكوم باعتبارات الزعامة، إلا أنه لا يهدف إلى الهيمنة المطلقة بل إلى تعزيز النفوذ وتأمين المصالح الوطنية.

سيناريوهات المستقبل

في ختام الدراسة، تُستشرف عدة سيناريوهات للمشهد الإقليمي، أولها استمرار سباق التسلح، مما يزيد من احتمالات وقوع مواجهة عسكرية محدودة، خاصة إذا تفاقمت العوامل الطارئة كتحالفات المغرب الخارجية. وثانيها، إمكانية بناء تعاون أمني إقليمي، وهو الخيار الذي يتطلب إرادة سياسية قوية من الجانبين ووساطة دولية فعالة. وأخيرًا، تحذر الدراسة من أن غياب خطوات ملموسة للحد من التصعيد قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل أعمق.

تجدر الإشارة إلى أن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات هو مؤسسة بحثية فكرية مستقلة مختصة بالعلوم الاجتماعية والإنسانية في جوانبها النظرية والتطبيقية.