-

عودة العلاقات بين الجزائر والنيجر إلى طبيعتها..

(اخر تعديل 2024-09-09 15:34:55 )

يتجه منحنى العلاقات بين الجزائر والنيجر بشكل إيجابي نحو الأعلى، في مشهد اعتبره البعض مفاجئا بعد الذي حدث من سوء تفاهم، تسببت فيه أطراف معروفة بعدائها للجزائر، إذ في ظرف أقل من أسبوع تحرك مسؤولي البلدين في الاتجاهين، حيث زار وزير الطاق، محمد عرقاب، نيامي، ثم حل الوزير الأول النيجري وزير المالية والاقتصاد علي محمد لمين زين، بالجزائر على رأس وفد هام.

وفي وقت توقعت جهات أن تكون الحركية بين الجزائر والنيجر محدودة في قضايا الهجرة غير الشرعية وملفات أمنية، تفاجأت بزخم اقتصادي وتجاري وسياسي وعسكري قوي، لا سيما أن نوعية الحضور النيجري كان من الدرجة الأولى، وقد لقي ترحيبا من نظرائهم الجزائريين، حيث استقبل الرئيس عبد المجيد تبون، الوزير الأول النيجري لمين زين، الذي سلمه رسالة من رئيس المجلس العسكري بالنيجر عبد الرحمن تياني.

وقال لمين زين في تصريح صحفي عقب لقائه الرئيس تبون، “تمت إزالة نقاط الظل التي كانت موجودة لحد الآن”، مضيفاً أنه “كان من الضروري إعادة تنشيط هذه العلاقات التي تأثرت منذ أحداث 26 جويلية 2023”. وأشار إلى أنه “تمت مناقشة كل هذه المواضيع خلال هذا اللقاء”، بهدف إزالة أي خلاف سياسي بين النيجر والجزائر.

تعزيز التعاون

وقبل ذلك، خص الوزير الأول نذير العرباوي، نظيره النيجري باستقبال على انفراد، قبل أن تتوسع المحادثات لتشمل وفدي البلدين، إذ أبرز بيان صادر عن مصالح الوزارة الأولى، أن الطرف الجزائري حرص على تطوير العلاقات الثنائية مع هذا البلد الذي يتقاسم مع الجزائر حدودا برية في أقصى الجنوب الشرقي.

بينما تمسك الطرف النيجري يضيف المصدر، بإقامة علاقات أخوة وتعاون وصداقة وحسن جوار مع الجزائر، مع التطلع إلى المضي قدما في تعزيز التعاون الثنائي ومرافقة جمهورية النيجر في مساعيها الرامية إلى تكريس السيادة على ثرواتها، وتحقيق أهداف الاستقرار والتنمية، ومواجهة التحديات المشتركة التي تعرفها المنطقة، بالإضافة إلى تحريك المشاريع الهيكلية المشتركة وتلك التي خصصتها الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية.

كما استقبل رئيس مجلس الأمة صالح قوجيل، الوزير الأول للنيجر والوفد المرافق له، حيث تم التطرق إلى واقع وآفاق العلاقات الثنائية القائمة على الاحترام المتبادل والتضامن وحسن الجوار، وكذا إلى الوضع الإقليمي في المنطقة التي تشهد وضعا استثنائيا، وقال قوجيل، إن “الجزائر تعتبر النيجر بلدا قريبا جغرافيا وتاريخيا وإنسانيا ودبلوماسيا، وتتطلع دوما إلى تعزيز علاقاتهما الثنائية الأخوية، وترقيتها، عبر تبادل الزيارات رفيعة المستوى وكل الآليات الدبلوماسية المناسبة لبعث ديناميكيتها التي عهدها الشعبان منذ سنوات طويلة”.

تعاون عسكري

إلى ذلك، قال رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، السعيد شنقريحة، خلال استقباله وزير الدولة وزير الدفاع الوطني لجمهورية النيجر، الفريق ساليفو مودي، “إن المرحلة الصعبة والحاسمة التي تمر بها المنطقة تستدعي منا جميعا أن ننخرط في إطار رؤية استراتيجية تقوم على أساس تعاون سياسي ودبلوماسي وعسكري وأمني واقتصادي منسق، يهدف إلى توفير الشروط الملائمة من أجل إرساء استقرار مستدام”.

وأكد الفريق أول شنقريحة، التزام الجزائر بمبادئها الراسخة القائمة على حسن الجوار واحترام سيادة الدول واستقلالها وكذا رفض التدخل الأجنبي، مهما كان نوعه أو شكله ومهما كانت طبيعة أهدافه، انطلاقا من قناعاتها بأن حل المشاكل الداخلية لدول القارة الإفريقية لا يمكن أن يتحقق إلا داخليا على يد الكفاءات والقدرات والقوى الحيّة لدول القارة.

استفاقة نيامي

وتعد هذه الزيارة الثانية لمسؤول حكومي رفيع من النيجر إلى الجزائر، بعدما نجح البلدان في تجاوز تداعيات أزمة الوساطة التي طرأت على العلاقات بين الجزائر والنيجر في أكتوبر 2023، حيث كان وزير خارجية النيجر باكاري ياو سانغاري، قد زار الجزائر في ديسمبر الماضي.

وكانت أزمة عابرة قد طرأت على العلاقات بين الجزائر والنيجر عقب الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، شهر جويلية 2023، تلاها اعتراض نيامي على مشروع الوساطة الجزائرية لحل الأزمة في النيجر، ووصفت الجزائر حينها موقف نيامي بأنه “موقف غير ودي”، كما تبادل البلدان في تلك الفترة استدعاء السفراء.

سوناطراك تستأنف نشاطها بالنيجر.. إليك التفاصيل pic.twitter.com/VkM5ap1GHC

— أوراس | Awras (@AwrasMedia) August 8, 2024

وفي السياق، يعتقد البرلماني محمد علي ربيج، في تصريح لـ”أوراس”، أن الوضع في الساحل يحتم على الجزائر اتخاذ قرارات وخطوات عملية تسمح بالمحافظة على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة، وتمنع أي انهيار للمنظومة الأمنية التي هي في الأصل تعاني هشاشة بسبب الانقلابات في بوركينا فاسو ومالي والنيجر، وقال “إن هذا الوضع سمح لأطراف بالتصعيد عبر توسيع تدخلها، وهنا أشير إلى روسيا وفرنسا وأمريكا، حيث يضغطون على الجزائر من أجل الميل إلى مخططاتهم”.

ويتابع ربيج، أن الإنزال الحكومي النيجري في الجزائر، هو استفاقة وعودة إلى جادة الصواب بالنسبة للمجلس العسكري في نيامي، بأن الجزائر لا أطماع لها في المنطقة سوى تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية، مشيرا إلى أن مالي وبوركينا فاسو ستعيدان النظر في علاقتهما مع الجزائر.

وأوضح النائب البرلماني أن أنبوب الغاز العابر للصحراء من نيجيريا إلى الجزائر والمار على النيجر، كان له دور في إعادة الدفء إلى خط الجزائر – نيامي، مؤكدا أن الجزائر لن تسمح بالعبث أو المساس بالعلاقات الثنائية.

من جانبه، يرى النائب النيجري السابق، عمر الأنصاري، في تصريح لـ”أوراس”، أن زيارة رئيس وزراء حكومة الأمر الواقع مع 8 وزراء إلى الجزائر، تعتبر تغيرا مفاجئا من سياسة نيامي اتجاه الجزائر، كما تدل على أن هذه الحكومة استفاقت من غيبوبتها التي كانت فيها بسبب اتباع إملاءات خارجية وبالأخص من باماكو، بعد أن رأت ما حلّ بمالي من تدهور أمني واقتصادي بسبب ابتعادهم عن الجار الأكثر استقرارا وموثوقية بالمنطقة.

وأشار إلى أن الأحداث الأخيرة التي شهدها شمالي مالي، ربما لها سبب في تغيير حكومة الأمر الواقع بوصلتها نحو الجزائر للاستفادة من خبراتها الأمنية والإستراتيجية لمحاربة الإرهاب.

مصالح مشتركة

وأوضح الأنصاري، أن الجزائر مدعوة إلى مسايرة هذه الحكومات الانتقالية بسبب المصالح المشتركة بين شعوب المنطقة، على اعتبار أن هذه الحكومات الاستثنائية تغلب الارتجالية والشعبوية ما يتطلب مزيدا من ضبط النفس والحكمة في التعامل معها ريثما يعود الوضع الدستوري، وواصل أن هناك نقطة يجب على الجزائر ونيامي التعاون عليها، وهي تأمين مسار أنبوب الغاز العابر للصحراء من عبث الجماعات الإرهابية والحركات المتمردة، التي أعلنت أنابيب النفط النيجري هدفا لها، ما كان سببا في وقف الشركة الصينية أنشطتها مؤقتا.

إلى ذلك، شدد الحقوقي حاج حنافي، في تصريح لـ”أوراس”، أن الإطار الأخوي المتجذر بين الشعبين الشقيقين الجزائري النيجري لا يمكن أن يعبث بوجوده كيان وظيفي أو فكر إيديولوجي، ذلك أن هناك تحالفات طرأت انطلاقا من روسيا وتركيا في دعمهما للانقلابات في كل من مالي والنيجر كنموذج أمني يسوّق لدول إفريقية أخرى، والسعي لجذبها إليه لما يمثله من رهان ضد الهيمنة الغربية في المنطقة، لكن يبدو أن رؤية النيجر أصبحت واعية لآفاق واعدة وأبعاد تنافسية مع بلدان افريقية، ولفت إلى أن نيامي أدركت أن الجزائر بلد شقيق له مؤشرات تنموية ضخمة، وأن محاربة الوضع الاقتصادي المتفاقم في النيجر هو بالسعي نحو تكريس المشاريع الاقتصادية الكبرى بما يعود بالمنفعة على الشعبين الشقيقين.