-

في ظل تأثير التدخل الأجنبي على استقرار ليبيا..

(اخر تعديل 2024-09-09 15:34:55 )

هل تريد ملخصا مني؟

عاد الحديث مجددا حول سبل إخراج ليبيا من الأزمة التي تعيشها منذ سقوط نظام الراحل معمر القذافي، وعاد معه الحديث عن دور الجزائر في إعادة الأمن والاستقرار إلى “الجماهيرية” على خلفية زيارة المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني خوري، الجزائر، وبعدها استقبال وزير الخارجية أحمد عطاف السفير الليبي بالجزائر بطلب من الأخير، على خلفية تحركات عسكرية بالقرب من الحدود مع الجزائر.

وبعد هدوء حذر، عادت القلاقل الأمنية في الجارة الشرقية ليبيا، كان بطلها خليفة حفتر ونجله صدام، الذي نقل قواته إلى الحدود الجزائرية زاعما ضبط الأمن في الجهة، ثم إعلان برلمان طبرق بقيادة صالح عقيلة، انتهاء حكومة طرابلس التي يشرف عليها الدبيبة، وبذلك الدخول في فراغ سياسي يفتح المجال أمام كل الاحتمالات إلا الاستقرار.

وشكّل الوضع الجديد القديم صداع في رأس الجزائر التي تقوم بمجهودات كبيرة من أجل انهاء الأزمة التي تعصف بليبيا، ولا تزال تسعى لإعادة الأمور الى الوضع الدستوري من خلال تنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية، بالرغم من محاولات عدة “أجسام” دخيلة توتير الأوضاع في كل مرة منعا للاستقرار على اعتبار أنه تحلو لها السباحة في المياه العكرة من أجل تحقيق مصالحها الضيقة واستغلال ثروات الشعب الليبي ونهبها وتهريبها.

وأعربت وزارة الخارجية الجزائرية عن قلقها البالغ إزاء التعبئة والانتشار الأخير للقوات العسكرية في مختلف مناطق ليبيا، خاصة تجاه المناطق الجنوبية والغربية، وقالت إنها تشارك المخاوف التي أعربت عنها الأمم المتحدة بشأن هذه التعبئة، مشددة على أن وقف الاشتباكات بين الإخوة المتنازعين يعد مكسبا مهما للغاية يجب الحفاظ عليه مهما كان الثمن.

ودعت الجزائر كافة الأطراف الليبية إلى التحلي بالحكمة وضبط النفس والبصيرة لتجنيب بلادهم وشعبهم العواقب المأساوية لاستئناف القتال، وإلى إيجاد حل سلمي للأزمة وتحقيق المصالحة بين الليبيين وإعادة توحيد المؤسسات ووضع حد للتدخلات الأجنبية.

وأثارت تحركات قوات خليفة حفتر باتجاه الجنوب الغربي غضب القوات العسكرية في الغرب، إذ وجه نائب رئيس الأركان الفريق صلاح النمروش، وحدات الجيش برفع درجة الاستعداد لصد أي هجوم محتمل.

وفي سياق معالجة الأزمة الليبية، حضرت المبعوثة الأممية بالنيابة في ليبيا، ستيفاني خوري، إلى الجزائر، وحظيت باستقبال وزير الشؤون الخارجية أحمد عطاف، الذي عرض استراتيجية الجزائر من أجل تجاوز الانسداد الحاصل في البلاد، وقال إن أولها تفادي تحويل الاستحقاق الانتخابي في ليبيا إلى غاية بحد ذاتها، والثانية تكمن في أهمية الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار والعمل على تثبيته، وكأولوية ثالثة “نحن نرحب بكل المبادرات والرغبات والمسارات التي تضع نصب أولوياتها حل الأزمة الليبية”، فيما يعتبر عدم التخلي عن مشروع المصالحة الوطنية الليبية، أخر نقطة، وشدد على ضرورة أن تكون هذه المبادرات والمسارات امتدادا وسندا وعونا للجهد الأممي الذي يبقى المرجع الأساسي، الذي تتجسد فيه ثوابت حل الأزمة الليبية، وكذا معالمها وضوابطها.

الرئيس #تبون يرفض التدخل الأجنبي في #ليبيا ويدعو لسحب المرتزقة pic.twitter.com/X5cWqBiiM1

— أوراس | Awras (@AwrasMedia) February 5, 2024

وفي خضم هذا التوتر، طلب سفير ليبيا بالجزائر صالح همه محمد بكده، لقاء وزير الخارجية أحمد عطاف، حيث شكل اللقاء فرصة للإحاطة بما يجري على الساحة الليبية من مستجدات مقلقة لا تبعث على الارتياح، لاسيما عمليات الحشد العسكري تجاه المناطق الغربية والجنوبية للبلاد وما تحمله هذه التطورات من أخطار محدقة بتجدد الاشتباكات والمواجهات بين الأطراف الليبية.

وأبرز الوزير، ضرورة تضافر جهود الجميع للحفاظ على أهم مكسب تم تحقيقه عبر العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، ألا وهو مكسب وقف الاقتتال بين الإخوة الفرقاء في دولة ليبيا الذي يتوجب تثمينه وتعزيزه والبناء عليه للمضي قدما نحو تحقيق التسوية السلمية المنشودة، حفاظا على أمن واستقرار ليبيا وكذا أمن واستقرار جوارها الإقليمي.

ودعا عطاف، إلى أهمية تسخير كل ما تملكه ليبيا من مقدرات ومقومات للإسراع بإنجاح العملية السياسية الهادفة إلى توحيد المؤسسات الليبية عن طريق انتخابات حرة وشفافة ونزيهة، موضحا أن الطابع الحيوي والمفصلي لهذه الانتخابات يفرض احتكام الجميع إلى إفرازات صندوق الاقتراع عوض التعويل اليائس على منطق القوة والعنف الذي لا طائل منه ولا منفعة فيه سوى المزيد من تصدع استقرار ليبيا، وإطالة أمد الأزمة في هذا البلد الشقيق، وتوسيع هوة الخلافات في الوطن الواحد وبين أبناء الشعب الموحد.

وتبقى الجزائر قبل وخلال وبعد دخول ليبيا حالة الفوضى، تسعى إلى إعادة الأمن والاستقرار للجارة الشرقية، لكن في ظل توسع دائرة التدخلات الخارجية وتعدد المبادرات “المشبوهة” وانقسام الداخل الليبي، هل بقي للجزائر دور تلعبه؟، تساؤل يرد عليه الباحث السياسي الليبي أحمد عرابي، في تصريح لـ”أوراس”، بالقول إن الجزائر قادرة أن تساهم بقوة في مساعدة الليبيين على حل أزمة بلادهم واسترجاع السيادة وتأمين مؤسسات الدولة الليبية، مشيرا إلى أن الجزائر تلعب دور كبير بالرغم من المخاطر الموجودة حاليا، وشدد أنها اللحظة المناسبة لتلعب دورا أساسيا، لا سيما أنها لا تميل إلى أي طرف وتبقى حيادية، لافتا إلى أنه حتى الليبيين يأملون في أن تساهم الجزائر في تسوية النزاع الحاصل في بلادهم.

وأوضح عرابي، أن الدبلوماسية الجزائرية تسعى جاهدة في إطار التنافس بين دول الجوار إلى إيجاد تسوية للأزمة عبر الحوار بين الفرقاء، على اعتبار أن الوضع يمثل تهديدا مباشرا على حدود الجزائر وأمنها القومي، خاصة في ظل انتشار الإرهاب على المستوى الإقليمي والدولي الذي يمثل هاجسا لجميع دول العالم، وقال إن استمرار الأزمة قد يفتح الباب على مصرعيه لاحتمالات التدخل العسكري الغربي مرة أخرى، والذي قد تكون نتائجه سلبية ليس فقط على ليبيا، بل على دول الجوار أيضا، موضحا أن الجزائر تقوم بدور أكثر فاعلية وواقعية لدفع الأطراف الليبية نحو بناء مؤسسات الدولة، وفي هذا الإطار احتضنت جولات حوار لقادة أحزاب وشخصيات سياسية ليبية برعاية أممية لمناقشة ملفي تشكيل حكومة وحدة وطنية، ومسودة الاتفاق السياسي الشامل للمساهمة في إخراج ليبيا من الركود السياسي والفوضى.

وأضاف الباحث السياسي أن الوضع هش في بلاده لكن أحسن مما كان عليه من قبل، “ولسنا بعيدين عن عودة الأمن والسلم”، مشددا أن هناك مستوى من الوفاق بين طرفي النزاع غير أنه يجب أن تكون هناك جهود دبلوماسية لدعم مسار الحل السلمي والوصول إلى الاستحقاق الانتخابي البرلماني والرئاسي، والجزائر تساند هذا المسار وعملت على تحقيقه، وأشار إلى أن هناك اتفاق وقف إطلاق النار ساري المفعول في الميدان، وهو كاف للانطلاق نحو عودة الاستقرار إلى ليبيا.

من جانبه، أوضح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية عمار سيغة، في حديث لـ”أوراس”، أن الجزائر من الدول التي يراهن عليها دعاة السلام، فهي “ودون تحيز وبكل موضوعية لها دور يمكنها من خلاله المساهمة في حلحلة الأزمة الليبية وفي مرافقة الفرقاء لإيجاد حلول دستورية”.

وأبرز سيغة، أن الجزائر تتمسك بتنظيم انتخابات رئاسية لكن أطراف من الداخل الليبي تعرقل أية مبادرة من شأنها إنهاء الأزمة، مشيرا إلى أن التحرك الجزائري الحالي ما هو إلا مقدمات، إذ “نعتقد أنه بعد 7 سبتمبر موعد الرئاسيات، سيكون الملف من الأولويات لما له من تداعيات مباشرة على أمن البلاد والوضع الاقليمي”.

إلى ذلك، قال الإعلامي التونسي المهتم بالشؤون المغاربية باسل ترجمان، في تصريح لـ”أوراس”، إن حل الأزمة الليبية التي تمتد منذ 14 سنة يتجاوز دول الإقليم، لأن المشكلة أصبحت دولية، موضحا أن الأطراف المعنية دوليا بحل الأزمة ليس لديها الرغبة في ايجاد الحلول، وهو ما تسبب في انعكاسات سلبية على دول الجوار الليبي.

ويعتقد ترجمان، أنه في ظل الأزمات الدولية الكبرى لا أظن أن الملف الليبي مطروحا حاليا في المشهد الدولي، وهو ما يجعل الحديث عن سعي لإنهاء الأزمة أمر غير وارد في المرحلة الحالية، وتابع أن دول الجوار من حقها أن تجتهد وتمارس ما يمكنها من أجل تهدئة الوضع لكن للأسف الأزمة أصبحت أكبر بسبب أن الأطراف المتدخلة كثيرة ومتشابكة.

وحذّر الإعلامي التونسي، أن أخطر ما يهدد مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة في المرحلة القادمة هو أن تتحول ليبيا وهو ما يتم الإعداد له للأسف، إلى ساحة للاشتباك العسكري بين القوات الأميركية وحلفائها مقابل القوات الروسية، مبرزا أن هناك قلق أميركي كبير من التمدد الروسي في ليبيا ودول الساحل، وهو ما يجعل المنطقة عرضة لما عاشته أفغانستان بعد الانتهاء من الحرب الروسية الأوكرانية.