-

دعاء زكريا: شغف الأبوة وطلب الذرية

(اخر تعديل 2024-09-24 17:35:20 )

دعاء زكريا: شغف الأبوة وطلب الذرية

يُعتبر دعاء نبي الله زكريا عليه السلام تجسيدًا حقيقيًا للتضرع والأمل، حيث تركزت نداءاته إلى الله في محاور ثلاث على طلب الإنجاب والذرية الصالحة. لم يتطرق دعاؤه إلى أي طلب آخر، مما يعكس عمق رغبته في أن يكون له نسل يستمر في الدعوة والإيمان.
أرض الحب الجميل الحلقة 2

  • (ربّ هب لي من لدنك ذرّيّةً إنّك سميع الدّعاء)
  • (قال تعالى في سورة مريم: (ذكر رحمة ربّك عبده زكريّا * إذ نادى ربّه نداءً خفيّاً * قال ربّ إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرّاس شيباً ولم أكن بدعائك ربّ شقيّاً * وإنّي خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقراً فهب لي من لدنك وليّاً * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله ربّ رضيّاً)
  • (وزكريّا إذ نادى ربّه ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)

من الملاحظ أن هناك اختلافات في صياغة الدعاء بين سورتي آل عمران ومريم. ففي سورة آل عمران، اختتم زكريا دعاءه بالقول: (إنّك سميع الدّعاء)، مما يعني أن الله هو القادر على سماع دعواته واستجابتها. بينما في سورة مريم، ختم دعاءه بعبارة (ولم أكن بدعائك ربّ شقيّاً)، مما يدل على أنه لم يشعر بالخيبة في دعائه بالله الذي كان دائمًا يستجيب له.

في سورة آل عمران، جاء الرد من الملائكة عندما بشروا زكريا بأن الله سيمنحه ابنًا، بينما في سورة مريم، كان الرد مباشرًا من الله سبحانه وتعالى، حيث قال: (يا زكريّا إنّا نبشّرك بغلام اسمه يحيى).

تتجلى عظمة دعاء زكريا في تفاصيله الدقيقة، حيث سأل الله عن كيفية إنجاب ولد وهو في سن متAdvanced، وامرأته عاقر. وفي كلا السورتين، استخدم زكريا نفس المعنى لكنه غيّر في السياق، حيث قال في آل عمران: (قد بلغني الكبر) بينما في سورة مريم قال: (قد بلغت من الكبر عتيّاً). هذا التغيير في التعبير يعكس بلاغة اللغة ويجعل المعنى أكثر وضوحًا.

عند النظر في السياق العام للدعاء، نجد أن دعاء زكريا في سورة مريم يتضمن آدابًا دعائية يجب أن يتبعها كل داعٍ. أولًا، نرى كيف نادى ربه بنداء خفي، مما يدل على قرب الله من عباده ورحمتهم. إذ إن الإخفاء في الدعاء يعكس الإخلاص ويبعد عن الرياء.

يكمن جمال الدعاء أيضًا في جمعه بين النداء والخفاء، حيث يمكن أن يُفهم أن زكريا كان يستشعر ضعفه ورغبته الحقيقية في التقرب من الله. فبينما يجسد النداء القوة، فإن الخفاء يعكس الضعف والانكسار، مما يحقق توازنًا بين القوة والضعف في الدعاء.

علاوة على ذلك، أظهر زكريا في دعائه عجزه بوضوح، حيث خص العظم بالوهن، وهو ما يدل على مدى ضعفه وحاجته إلى رحمة الله. وفي موضع آخر، دعا زكريا قائلاً: (ربّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين)، مما يعكس أمله في أن يرزقه الله بذرية صالحة.

في الختام، يتضح أن دعاء زكريا كان مخلصًا وصادقًا، وقد استجاب الله لدعاءه بعد أن رأى إخلاصه وتضرعه. إن تأملنا في دعاء زكريا يُظهر لنا قيمة التضرع والاعتماد على الله في كل الأمور، خاصة عندما يتعلق الأمر بأمور حساسة مثل الإنجاب والذرية.